
في 26 ديسمبر أعلن رسميا عن اعتراف إسرائيل بجمهورية صوماليلاند ما يجعلها أول دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف رسمياً بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.
يُمثل هذا التحول التاريخي نقطة تحول هامة لحق تقرير المصير في أرض الصومال، وربما للجيوسياسة في جميع أنحاء العالم.
قبل أقل من 24 ساعة، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جدعون ساعر إعلان اعتراف متبادل مع رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله.
يمثل اعتراف إسرائيل بجمهورية صوماليلاند لحظة محورية في تطور “حق تقرير المصير”، فعلى مدى عقود، كان هذا المبدأ ثانويًا إلى حد كبير مقارنةً بالحفاظ على الحدود الوطنية القائمة. ويشير هذا التطور الجديد إلى عودة إلى تفسير أكثر واقعية و”إصلاحًا” لحق تقرير المصير.
منذ ستينيات القرن الماضي، التزم المجتمع الدولي (وخاصة الاتحاد الأفريقي) بمبدأ “الوضع الراهن” أي ضرورة الإبقاء على حدود الحقبة الاستعمارية دون تغيير لمنع الفوضى في القارة.
ويُشكّل الاعتراف الإسرائيلي تحديًا فعليًا لهذا “التوافق ما بعد الاستعماري” من خلال إعطاء الأولوية لسيادة الدولة على حساب سلامة أراضيها.
يُعدّ صعود “حق تقرير المصير النفعي” حاضرًا بقوة، حيث بات هذا العودة إلى حق تقرير المصير أكثر نفعية مما يتذكره التاريخ.
وبفضل موقعها الاستراتيجي على طول ممرات الشحن العالمية الحيوية، تتمتع أرض الصومال بأهمية استراتيجية تجعلها في وضعٍ مثالي للضغط والتفاوض، وتقديم ما لديها لتحقيق ما تريد.
لفهم أهمية الاعتراف بأرض الصومال في عام 2025، من الضروري النظر في كيفية سعي القوى الغربية في البداية إلى ترسيخ مبدأ حق تقرير المصير.
ففي القرن التاسع عشر، كان حق تقرير المصير (الذي كان يُسمى آنذاك “السيادة الشعبية”) هو المبدأ الذي قامت عليه العديد من الدول اليوم انطلاقًا من الإمبراطورية العثمانية، المنافسة للغرب.
بينما يترقب العالم الاعتراف التاريخي بصوماليلاند من قِبل إسرائيل، أصبحت المنطقة رسمياً محوراً رئيسياً في “لعبة كبرى” جديدة.
وتُعدّ التقارير التي تُشير إلى دراسة جنوب السودان الاعتراف بصوماليلاند بمثابة نذير شؤم تاريخي، فباعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي مارست بنجاح حقها في الانفصال في القرن الحادي والعشرين (عام 2011)، فإن دعمها من شأنه أن يكسر “المحرمات” التي يفرضها الاتحاد الأفريقي بشأن إعادة تنظيم الحدود، وقد يُؤدي إلى سلسلة من التداعيات:
فإذا اعترفت دول أفريقية أخرى (إحداها دولة انفصالية سابقة) بصوماليلاند، فإن ذلك يُقوّض سلطة الاتحاد الأفريقي في فرض “وحدة” الحدود، وقد يُعيد هذا إحياء حركات تقرير المصير في مناطق مثل تيغراي (إثيوبيا) أو أمبازونيا (الكاميرون).
لذا، رفض الاتحاد الأفريقي رفضاً قاطعاً أي اعتراف بسيادة صوماليلاند، ويبدو أن المشهد الجيوسياسي للقرن الأفريقي يشهد تحولاً جذرياً، تنفصل أرض الصومال عن جمهورية الصومال الفيدرالية، الدولة التي تعاني من عدم الإستقرار.
ولكن بفضل سجل أرض الصومال الحافل بالإستقرار على مدى عقود، وسيطرتها على مضيق باب المندب (أحد أهم الممرات المائية الحيوية في العالم)، يُنظر إليها من قبل الكثيرين كحليف قيّم لإسرائيل وغيرها.
يشمل ذلك قضايا تتعلق بالصوماليين من الصومال، الذين تنفصل عنهم أرض الصومال، فقد صرّحت إدارة ترامب بأنها لا ترغب بوجود صوماليين في أمريكا، ما يُظهر كراهية واضحة للصومال، بالإضافة إلى تقارير تفيد بأن أرض الصومال تدرس التعاون مع إسرائيل لإعادة توطين النازحين من غزة.
وإلى جانب مينائها العميق، يُعد ساحل أرض الصومال مركزاً لرواسب معدنية حيوية ضرورية لتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، كما تُتيح السيطرة على هذا الممر مواجهة مباشرة للمياه التي يسيطر عليها الحوثيون والنفوذ الإيراني في البحر الأحمر.
بالنسبة لشعب أرض الصومال، فإن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال لعام 2024 ثم اعتراف إسرائيل بجمهورية صوماليلاند بنهاية 2025 يثبتان شيئاً واحداً ألا وهو أن الإعتراف هو العملة الوحيدة المهمة.
