رويدا رويدا تحول المغرب من بلد تابع لفرنسا ضعيف في شمال أفريقيا إلى واحد من أبرز القوى في أفريقيا وعلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية أكبر شريك لها خارج التحالف الأطلسي، بلد قريب جدا إلى أوروبا وفي موقع استراتيجي، ينافس اسبانيا بحريا وفلاحيا وعسكريا وفي ذات الوقت شريك تجاري مهم للغرب.
في شمال أفريقيا سقطت ليبيا في فخ الحرب الأهلية، وعانت مصر كثيرا بسبب الثورة وهي تعيد لملمة جراحها، أما الجزائر فهي غارقة في فسادها، وخسرت تونس إنجازاتها الإقتصادية التي اكتسبتها في عهد زين العابدين.
يجب أن تفهم ألمانيا أن العالم قد تغير كثيرا منذ ما يسمى بالربيع العربي، فقد سقطت دول وتغيرت موازين القوى بينما خرج المغرب من هذه الفترة العسيرة فائزا.
إذا كان لأكبر اقتصاد أوروبي مواقف مناهضة للمغرب فهي بذلك تخسر بلدا وسوقا مهمة للغاية وبوابة نحو أسواق غرب أفريقيا الواعدة وشريكا مهما في مكافحة الإرهاب الذي تعاني منه أوروبا أكثر من غيرها.
تعليق أي تعامل حكومي رسمي مع سفارة برلين بالمملكة هي رسالة واضحة لذلك البلد المهم، بأن المغرب قوة مهمة ويجب احترام سيادته وتجنب المس بمصالحه.
في الواقع هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها المغرب بخلاف سياسي وديبلوماسي كبير في السنوات الأخيرة مع الجيران في الضفة الأوروبية، فقد حدث ذلك مع اسبانيا وفرنسا ووجدت مدريد وباريس أن لدى الرباط أوراق مهمة وقاتلة ومنها الجانب المالي والإقتصادي والتعاون الإستخباراتي.
فبينما يشكل المغرب البوابة الآمنة والأفضل نحو أفريقيا ولديه بنية تحتية من طرقات وقطارات وموانئ لاستقبال السلع وشحنها إلى الأسواق الأفريقية، يتمتع أيضا بمخابرات هي الأفضل عربيا.
وهذا ليس كلاما انشائيا، لكن ابحث جيدا واقرأ وستجد أن هذه هي الحقيقة، وهي مقلقة للخصوم ومفرحة لأصدقائنا من كافة أنحاء العالم.
في وقت تتصاعد فيه المنافسة على أفريقيا وهي قارة واعدة للغاية وبها الكثير من الفرص، لا تخدم تصرفات ألمانيا مصالحها المالية والإقتصادية.
فمن جهة تخسر المنافسة أمام الصين وهو بلد يتمتع بعلاقات جيدة مع المغرب وأعطى الأولوية في اللقاح لهذا البلد، وهو يسعى إلى زيادة صادراته إلى أفريقيا من بوابة المملكة.
ومن جهة أخرى تواجه ألمانيا منافسة في هذه القارة من قوى أخرى مهمة ومنها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات والهند وروسيا والبرازيل.
تعد ألمانيا رابع أكبر اقتصاد في العالم ويعد القطاع الصناعي مهما للغاية بالنسبة لها، وهي بحاجة إلى زيادة الصادرات ولا يكفيها أن تكون جنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا وكينيا وأنجولا أكبر خمسة شركاء اقتصاديين لها في القارة.
مقارنة بالقوى العالمية الأخرى تأخرت برلين في الاهتمام بالقارة السمراء، لكن منذ عام 2019 بدأت وسائل الإعلام تسلط الضوء على السياسة الجديدة والمقاربة التي تبنتها القيادة الألمانية.
بينما تصدر السيارات إلى جنوب أفريقيا تستورد النفط من نيجيريا، لكن أرقام المبادلات المالية لا تزال متواضعة حيث استوردت خلال عام 2019 من أفريقيا 22 مليار دولار ووصل مجمل حجم التجارة إلى 45 مليار دولار.
في العام نفسه وصلت قيمة التجارة بين الصين وأفريقيا إلى 208 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني أن المانيا لا تستفيد كثيرا من القارة السمراء.
لدى القوى الأوروبية الكثير من الإمكانيات لزيادة وجودها النعام في القارة وزيادة الصادرات وكذلك الإستثمارات ويعد المغرب مفتاحا مهما لذلك.
وتعد فرنسا أفضل بلد حاليا يحترف التعامل على هذا المستوى مع المملكة المغربية، فمصانعها للسيارات وفرت آلاف فرص العمل للمغاربة وفي ذات الوقت حولت السوق المغربية إلى سوق مستهلك للمنتجات الفرنسية، وأيضا بلد تصنع فيه بشكل متزايد ما تصدره إلى أفريقيا بتكاليف أقل من التصنيع لديها.
تحتاج ألمانيا إلى تبني هذه العقلية أو السياسة إذا كانت تريد جعل صناعتها وصادراتها في وضع أفضل مقارنة بالصين ودولا أخرى وإلا فستتراجع كثيرا إلى الوراء.
في هذا الوقت يواصل المغرب التحسن وتطوير البنية التحتية ومحاربة الفساد وبناء أفضل الموانئ في المنطقة وأطول الطرقات وإجراء إصلاحات من شأنها أن تحوله إلى فيتنام شمال أفريقيا، ومركز مهم لأوروبا والعالم الذي يرغب في الإستثمار والتصدير إلى القارة السمراء.
إقرأ أيضا:
فوائد تقنين الكيف أو القنب الهندي على اقتصاد المغرب
يجب أن نساعد تونس اقتصاديا إذا أردنا المغرب الكبير
فرنسا وألمانيا يقودان أوروبا والعالم نحو الإنهيار الإقتصادي 2021
كيف حولت أزمة كورونا ألمانيا من دولة حكيمة إلى غارقة بالديون؟