توصف اللاإنجابية في الأوساط المحافظة بأنها فلسفة شيطانية، وأن التوالد واجب أخلاقي وهو أفضل من عبادة 40 ألف سنة كما جاء على لسان الدكتور هيثم طلعت.
وتتزايد شيطنة واحدة من أقدم الفلسفات العقلانية مع تزايد معتنقيها والرافضين للتوالد وجلب المزيد من الضحايا إلى هذا العالم.
تناقضات الديانات الإبراهيمية بخصوص الإنجاب
بينما توجد في القرآن سورة التكاثر، وهي سورة تنتقد انشغال الناس بالتكاثر في الأموال والأولاد ونسيان الموت والحساب، وسعي البشر إلى التكاثر وامتلاك مالا أكثر وعددا أكبر من الأبناء.
ومن جهة أخرى هناك نصوص تشيد بالزهد في المال والنسل، وفي مقابلها نصوص تشجع على التوالد وتعتبره عملا بطوليا جيدا.
رغم ذلك وجدنا أن عدد من الرموز الإسلامية لم يتزوجوا ولم يتركوا خلفهم ذرية، وأبرزهم الإمام النووي وكذلك محمد بن جرير الطبري وابن تيمية وهم بذلك خالفوا النبي محمد.
وهناك فرق إسلامية صوفية تشيد باعتزال الجنس والزواج والتوالد، وتنشد التقرب إلى الله بترك المادة والإعتناء أكثر بالروحانيات.
وتعترف الديانات الإبراهيمية ومنها الإسلام بأن الشر والكفر يغلب في النسل، وتذهب السنة النبوية للتنبؤ بأن تقوم الساعة على شرار الخلق.
قصص آدم وحواء مع قابيل وهابيل ونوح مع ابنه وفتنة أبناء يعقوب، والكثير من القصص الأخرى موجودة في هذه الديانات هي ليست أخبارا جيدة للمربيين والآباء.
ورغم أن النبي عيسى (يسوع) لم يتزوج ولم ينجب طيلة حياته، إلا أن الكنيسة من أشد أعداء الفلسفة اللاإنجابية، وقد اعتبر البابا فرنسيس الإمتناع عن التوالد أنانية واضحة.
ولا يختلف موقف رجال الدين في الإسلام الذين يرددون عبارة “لا رهبانية في الإسلام” وهي للأمانة ليست حديثا نبويا، لكنها تستند إلى السيرة النبوية لأن النبي محمد كان يتزوج النساء وكان حريصا على انجاب ولد.
ثنائية الخير والشر في المانوية
أسس النبي ماني المانوية في القرن الثالث الميلادي، وتضمنت رؤية عالمية ثنائية أثرت بشكل كبير على تعاليمها بشأن الإنجاب.
وافترض الدين ثنائية صارخة بين عالم النور الروحي وعالم الظلام المادي، وأدى هذا التناقض إلى الإعتقاد بأن العالم المادي، بما في ذلك أجساد البشر والإنجاب، معيب بطبيعته ومصدر للشر.
تعلمنا المانوية أن العالم المادي هو ساحة معركة بين الخير والشر، ويُنظر إلى الجسد المادي باعتباره سجنًا للروح، التي هي جزء من النور الإلهي.
ويُنظر إلى الإنجاب باعتباره استمرارًا لدورة المعاناة والاحتجاز داخل عالم المادة، وبالتالي إعاقة عودة الروح إلى العالم الروحي.
كان المختارون، وهم مجموعة داخل المجتمع المانوي الذين التزموا بممارسات الزهد الصارمة، يعتقدون أن الإمتناع عن الإنجاب وغيره من الملذات الجسدية أمر ضروري للنقاء الروحي والتحرر.
ومن خلال رفض الرغبات الجسدية، كانوا يهدفون إلى تحرير النور المحاصر في المادة، وبالتالي تسهيل عودته إلى عالم الإله.
كانت العقيدة المانوية تنص على أن أولئك الذين ينغمسون في الملذات الجسدية، بما في ذلك الإنجاب، سوف يواجهون إعادة الميلاد في العالم المادي، مما يزيد من تورط أرواحهم في المعاناة.
وقد عزز هذا الاعتقاد فكرة أن تجنب الإنجاب كان وسيلة للهروب من دورة إعادة الميلاد وتحقيق الخلاص، لهذا في هذا المعتقد يجد اللاإنجابيين أنفسهم أقرب إلى الخلاص الحقيقي.
وتؤمن هذه الديانة بتناسخ الأرواح، حيث أن الأشخاص المرتبطون بالعالم المادي يولدون من جديد في جسد جديد، لعيش حياة جديدة مليئة بالمعاناة والآلام والسعي والتنافس والخوف والغضب…
وتتفق المانوية مع البوذية وعدد من الفلسفات الشرقية التي تعتقد أن الخلاص يأتي من خلال التحرر من رغباتنا لأنها مصدر الألم واستمرار أرواحنا في هذا العالم.
الشيطان التكاثري في الإسلام والمانوية
للشيطان نسل يتزايد باستمرار، وفي الإسلام نجد أن كل شخص يولد يكون معه قرين من الشياطين يوسوس له ويحرص على افساده وحثه على ارتكاب الشرور.
ومن المعلوم أنه في الديانات الإبراهيمية نجد ابليس ونسله من الشياطين جميعا في النار بالآخرة، لقد اختار الملاك الساقط جهنم عندما رفض السجود لآدم ويعرف مصيره منذ ذلك الوقت.
وبناء على ذلك من مصلحته أن يستمر توالد البشر وبالتالي دورة هذه المعاناة، وهذا كي يكون الجحيم مكانا ممتلئا بالمليارات من البشر الذين يتعذبون معه.
وفي المانوية نجد أن الشيطان هو إله الظلام الذي يحكم هذا العالم المادي، وهو يريد استمرار التوالد كي تستمر هذه القصة ولا تنقرض البشرية ولا ينقرض نسله والأهم كي لا ينتهي هذا العالم المادي.
الشيطان حريص جدا على استمرار التوالد، انقراض البشرية يعني أن مهمته انتهت وهذا خبر سيء له، إذ يريد أن يستمر عمله إلى ما لا نهاية.
التكاثري أقرب إلى الشيطان
في الجدول أعلاه (بداية المقالة) وضعت مقارنة بين الخالق أو الله مع اللاإنجابي والشيطان والتكاثري، واعتمدت على المعتقدات السائدة في الديانات الإبراهيمية والمانوية.
تتفق هذه الديانات والمعتقدات في جوهرها على أن الشيطان ليس من مصلحته أن ينتهي الشر ولا وجود العالم المادي، وعندما يحرص التكاثري من خلال التوالد على استمرار نسله ويخشى الإنقراض فهو بلا شك في صف الشيطان.
يخشى التكاثري ما يخشاه الشيطان وهو الموت والإنقراض والوحدة، لهذا السبب يدعمان التوالد ويحرصان عليه، ولا أستبعد أن تكون الخطيئة الأولى التي تطرقت إليها هذه الديانات هي الإنجاب.
تبقى هذه الديانات والمعتقدات مجرد اجتهادات بشرية، ولأن معظم التكاثريين الذين يدافعون عن التوالد يستخدمونها لشيطنة اللاإنجابية، كانت هذه المقالة للرد عليهم وباستخدام أساسيات واضحة ومتفق عليها في معتقداتهم.
إقرأ أيضا:
ولادتنا سبب المعاناة لذا من الأفضل لو لم نولد أبدا
أفضل قرار اتخذته في حياتي هو أني لن أنجب
إلهام شاهين مثال للمرأة اللاإنجابية المتحررة الناجحة
عربيا ChatGPT فاشل في الفلسفة اللاإنجابية ويعتبرها عجزا جنسيا
ثورة شباب الصين: اللاإنجابية للأحرار والتوالد لعبيد الشيوعية
اللاإنجابية وانهيار الخصوبة كابوس الإقتصاد العالمي