يجمع خبراء الاقتصاد والتنمية الاجتماعية على أن الإنفجار السكاني ما هي إلا مشكلة كبيرة خصوصا إذا أدى ذلك إلى استنزاف موارد البلد أو المنطقة التي تشهده، وهو يضرب كل جهود التنمية في الصفر.
يحاول البعض تصوير الإنفجار السكاني في مصر على أنه نعمة، وأن هذا البلد يستطيع تحمل مئات الملايين من البشر، ولما لا يكون مثل الصين أو الهند؟ ويحاولون اسقاط النجاح الصيني على النموذج المصري.
يقول هؤلاء أن عدد سكان قوة لا يستهان بها، ونحن لا ننكر ذلك عند النظر إلى هذا العامل من وجهة نظر الشركات والمصانع التي ترغب في الوصول إلى الأسواق الكبيرة ومصر سوق مهمة وكبيرة.
لكن ماذا عن ظروف الشعب المصري؟ عن المواطن الذي يكافح للعيش والزواج وبناء أسرة؟ عن الغلاء الذي تعاني منه هذا البلد حتى قبل أزمة التضخم الأخيرة؟ وماذا أيضا عن حصة الفرد من المياه للصالح للشرب والتي تتناقص يوما بعد يوم؟
هل تستطيع مصر فعلا أن تتحمل ملايين إضافية من المصريين ويصل عدد سكانها إلى 200 مليون وأكثر؟ أنظر في الإزدحام والبناء العشوائي والأحياء الشعبية في القاهرة والإسكندرية والمدن المصرية المختلفة.
تعد هذه الدولة العربية نموذجا فريدا من نوعه، هذا الإنفجار السكاني يحدث في جمهورية معظم أراضيها صحراء، وتعتمد على نهر النيل، والتساقطات المطرية بها قليلة.
بقدر ما يبدو ذلك معجزة إلا أنه يحمل في طياته تحذيرا من أن مستقبل الشعب المصري لن يكون جيدا، وكل جهود التنمية الاقتصادية الحكومية لن تأتي بفائدة كبيرة.
أضافت مصر 45 مليون نسمة خلال آخر 20 عاما، رقم مخيف يكشف بالفعل التحدي والصعوبات التي تواجه الحكومات المتعاقبة، كيف يستطيع بلد بإمكانيات مصر وظروفه احتمال هذا الإنفجار السكاني.
عند الحديث عن الموارد فإنها تختلف من بلد لآخر، بلد مثل الولايات المتحدة الامريكية غنية بالموارد وهي كبيرة وتنتج النفط والغاز ولديها فلاحة قوية ومواد أولية محلية، لذا لا غرابة أن تكون القوة الاقتصادية العالمية الأولى وعدد سكانها أكثر من 300 مليون نسمة.
حتى الصين التي يعيش بها اليوم حوالي 1.4 مليار نسمة، نجد أن نصيب الفرد من موارد المياه هو 2000 متر مكعب سنويا، مقابل 585 متر مكعب سنويا للمواطن المصري في بلد يعيش فيه حاليا 102 مليون نسمة.
تبين هذه المقارنة البسيطة الفرق الكبير بين مصر والصين على مستوى الموارد، وهنا نتحدث عن الموارد المائية التي تعد أساس الأمن الغذائي، في النهاية بدون مياه كافية لا توجد حياة.
تعد مصر بناء على تلك الحصة من الدول الفقيرة مثل بقية دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورغم اعتمادها على نهر النيل إلا أن غياب أنهار أخرى وقلة التساقطات والتصحر وارتفاع درجة الحرارة يهدد الأمن المائي، ولا يسمح بتحمل تزايد سكاني هائل في السنوات القادمة.
على العكس في الصين هناك أنهار وبحيرات وتساقطات مطرية جيدة، ورغم أنها تعاني من ارتفاع درجة الحرارة ولديها صحراء وأراضي قاحلة، إلا أن الجانب الذي تتركز فيها زراعتها كبيرة وغنية بالمياه.
وبالطبع فإن الإنتاج الغذائي والفلاحي في الصين قوي للغاية مقارنة ببلد مثل مصر، لهذا تستطيع بكين اطعام شعبها الذي تجاوز عدد أفراد المليار نسمة، لكن لن تتمكن مصر من الوصول إلى هذا الرقم، فهناك خطر المجاعات والأوبئة والهجرة نحو دول أخرى.
من الواضح جدا أنه لا يمكننا اسقاط النموذج الصيني على مصر، ولا يمكن للحكومة المصرية التسامح مع الإنفجار السكاني والقول بأنه بفضل أعداد المواليد العالية يمكن لهذا البلد أن يتقدم، وبناء على ذلك ينبغي تنظيم النسل من خلال توعية المتزوجين.
في مصر من الشائع أن تجد أطفال الشوارع والمتخلى عنهم والذين يعملون في بيع السجائر والتجارة بسن صغيرة وهم ضحايا الهدر المدرسي أيضا، هل يمكن الرهان على هؤلاء لبناء بلد أفضل لديه موارد بشرية قوية ومفيدة للوطن والإقتصاد المصري؟
هناك معادلة بسيطة عادة ما يركز عليها الإقتصاديون، وهي أنه لتحقيق التقدم في بلد معين، يجب محو الأمية، وتوفير الكهرباء بسعر أرخص، والسيطرة على معدلات الإنجاب.
بدون السيطرة على الإنفجار السكاني لا يمكن لسعر الكهرباء أن يتراجع ولا أسعار العقارات ولا المعيشة أن تتراجع، فهناك دائما طلب قوي، والكثير من الناس سيضطرون للعيش في ظروف سيئة، ما يزيد من رقعة الأمية والجهل والفقر.
في النهاية، أدركت الصين هي الأخرى أنه بالرغم من مواردها المائية والطبيعية الجيدة، لا يمكنها ان تتحمل الإنفجار السكاني، لهذا فقد اعتمدت تنظيم النسل منذ بداية الإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها عام 1979، ومنعت انجاب 400 مليون صيني آخر معظمهم ينتظرهم الفقر اليوم.
إقرأ أيضا:
قائمة الدول العربية التي تعاني من الفقر المائي
أسباب أزمة العطش وندرة المياه التي تجتاح دول العالم
الإنفجار السكاني مربح ماليا ولهذا تدعمه الشركات والحكومات
الإنجاب هو ظلم كبير في عصر التغير المناخي
كيف تحررت المرأة الصينية من الزواج والإنجاب بنجاح؟