تطرقت في مقال سابق بعنوان “فلتذهب الحرب بين الجزائر والمغرب إلى الجحيم ولننهج تعاون الصين والهند” إلى ضرورة تعزيز التعاون الإقتصادي بين البلدين ووضع الصراعات السياسية جانبا، أنا أراهن بقوة بأن تنامي الإقتصاد والتجارة بين الجارين الشقيقين لن يعود فقط بالفائدة على اقتصاد البلدين ولكنه “سيقضي” على الخلافات السياسية.
هذا بالطبع إن كانت تتمتع القيادة في البلدين بعقلية القادة الصينيين ونظرائهم الهنود، الذين قرروا وضع الخلافات الحدودية والتاريخية جانبا والعمل معا ويجمعهما حاليا الإقتصاد والتجارة وهما بلدين ضمن مجموعة بريكس الإقتصادية وما يفرقهما أصبح تافها!
مع توتر العلاقات بسبب قضية الصحراء وصلت القطيعة الإقتصادية بين المغرب والجزائر إلى أوجها منذ العام الماضي، بينما ضحايا الخلاف السياسي هي التنمية الشاملة للبلدين والمنطقة والأوضاع الإقتصادية التي تعود إلى الوراء.
منذ 1994 قرر البلدين اغلاق الحدود بينهما بصورة رسمية، ومنذ ذلك الحين وهما يضيقان الخناق على تلك الحدود ويمنعان ظواهر سيئة ظهرت للسطح لسياستها العقيمة، وفي مقدمتها التهريب وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر.
تراجع حجم المبادلات التجارية بنسبة 75 في المئة منذ بداية هذا العام بين البلدين يختصر ببساطة كيف أنه من السهل على بلدان المنطقة أن تلجأ إلى القطيعة عوض الحوار السليم والحفاظ على التجارة والاقتصاد وتطويرهما باعتبارهما أوكسجين العلاقات بين الدول وأساس التنمية الشاملة التي يتم ترديدها كثيرا في المحافل الوطنية والدولية دون أي فائدة.
ورغم القطيعة الإقتصادية بين البلدين واستغنائهما عن بعضهما البعض ظاهريا فإن التجار المغاربة ونظرائهم الجزائريين مستمرون في التعامل رغم الصعوبات والتعقيدات بل إن مارسيليا الفرنسية و برشلونة الإسبانية تشهدان على إرادة التجار القوية في وجه السياسة الغبية وتكشف عن الرحلة الطويلة التي تمر منها منتجات البلدين للوصول إلى السوق المقابلة القريبة جدا!
-
مارسيليا و برشلونة أكبر المستفيدين من التجارة بين المغرب والجزائر
تفصل بين وجدة المغربية ووهران الجزائرية حوالي 60 كيلومتر فقط، لكن البضائع بين البلدين تضطر لتقطع حوالي 2000 كيلومتر مرورا من ميناء برشلونة الإسباني وميناء مارسيليا الفرنسي.
الخضروات المغربية التي يتم ارسالها إلى الجزائر تأتي في الواقع من اسبانيا وفرنسا وكذلك الفوسفاط وبقية المنتجات، في المقابل فإن المغرب يستورد منتجات جزائرية من السوق الأوروبية!
وليس لدى التجار أي حل آخر سوى هذا الطريق الطويل بين البلدين، في ظل انهيار التجارة المباشرة وازدياد طول السياج الحدودي عرضا وطولا.
بالطبع فإن اسبانيا و فرنسا أكبر الرابحين من هذه الأزمة السياسية بين البلدين والتي أخذت طابعا اقتصاديا تجاريا غير عادل للشعبين الجزائري ونظيره المغربي.
-
رحلة طويلة تنتهي بعرض بأسعار مرتفعة
تصل الطماطم المغربية إلى السوق الجزائرية بسعر أغلى مما تصل إليها للسوق الأوروبية الموحدة، كيف لا وقد قطعت 2000 كيلومتر مرورا بميناء أوروبي ثم الجمارك الجزائرية مع احتساب تكاليف النقل لكل هذه المسافة الطويلة.
بالطبع فقد لاحظ الشعب الجزائري أن تكلفة الغذاء في البلاد ارتفعت خلال العامين الأخرين وزادت بصورة مرعبة من الثقل المادي على الأسر هناك.
في المقابل فإن السلع الجزائرية التي كانت تصل إلى المغرب بطرق سريعة وبأسعار جد تنافسية ومغرية، أصبحت باهظة الثمن بل إن السلع الصينية في مقابلها أرخص منها!
هذه الوضعية لا تخدم المستهلكين في البلدين وتزيد التجار احراجا، حيث أن تلك السلع تدخل بطرق غير مباشرة وأحيانا بدون علامة “صنع في المغرب” وعلامة “صنع في الجزائر”.
-
القطيعة الإقتصادية تدمر الأوكسجين بين المغرب والجزائر
الأوكسجين بين البلدان هي التجارة و الإقتصاد وما يحدث بين المغرب والجزائر مؤلم للغاية، والرأي العام في البلدين للأسف لا يبذل أي جهد لإقناع الساسة بأن هذه السياسة فاشلة، رغم أن فئات كبيرة من الشعبين متضررة بصورة كبيرة وعليك أن تزور المدن الحدودية لتلمس معاناة الساكنة الجزائرية والمغربية.
القطيعة الإقتصادية تضر الاقتصاد المغربي والجزائري وتطمس معالم التجارة المفتوحة والحرة بين البلدين الشقيقين، عيب وعار بل وغباء أن تقطع المنتجات المغربية ونظيرتها الجزائرية مسافة 2000 كيلومتر لتصل إلى السوق الشقيقة بينما يفصل بين وجدة المغربية ووهران الجزائرية 60 كيلومتر فقط وتكون النتيجة منتجات باهظة وتجارة راكدة.