يترقب العالم هجوم ايران على إسرائيل ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل مسؤولين إيرانيين، ويبدو أن طهران التي تحترف لعبة الشطرنج في الشرق الأوسط على عكس المتهورين الأغبياء (صدام حسين، جمال عبد الناصر، حركة حماس) مضطرة للرد.
الهجوم المرتقب لن يكون ضد القوات الأمريكية، فقد تبرأت الولايات المتحدة الأمريكية من الهجوم الذي جاء كمبادرة إسرائيلية لمواجهة التواجد الإيراني في سوريا، وبالتالي يبقى خيار ضرب إسرائيل أو مصالحها هو الوحيد أمام طهران في هذه الحالة.
ليس لدى إسرائيل سفارة سوى في البحرين والإمارات بالخليج العربي، ولا توجد سفارة لها في سوريا أو العراق أو لبنان لضربها من قبل القوات الإيرانية، لذا لا مفر من هجوم ايران على إسرائيل لتحافظ طهران على ماء وجهها.
منذ انشاء الجمهورية الإيرانية الإسلامية عام 1979، اتبعت طهران سياسة مستقلة ومتمردة ضد الغرب والولايات المتحدة وفقدت ميزة التحالف مع الغرب لصالح إسرائيل ودول الخليج العربي.
ومنذ ذلك الوقت سعت إلى التوسع على حساب جيرانها العرب، من خلال دعم ميليشيات شيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، ونجحت في انشاء الكثير من البيادق التي تستخدمها في حرب الوكالة ضد السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي أعقاب الغارة الجوية الإسرائيلية ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، المسؤولة عن مقتل كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، واجهت الجمهورية الإسلامية التحدي الأكثر أهمية الذي واجهته منذ شن صدام حسين الحرب ضد ايران في عام 1980.
الرد بشكل مباشر على الضربة الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة أصبح ضروريا، وربما تحتاج أيضاً إلى ذلك عسكرياً، وتواجه طهران احتمال المواجهة العسكرية المباشرة، ليس فقط مع إسرائيل بل أيضاً مع الولايات المتحدة.
والفشل في الرد قد يعرض الجمهورية الإسلامية لخطر الانكشاف وكأنها نمر من ورق، وهذا ليس فقط في نظر خصومها، ولكن ربما بشكل أكثر أهمية في نظر حلفائها.
ومن عجيب المفارقات أن حماس واسرائيل كان لهما نفس المصلحة في جر إيران إلى صراع إقليمي أوسع منذ اندلاعه في 7 أكتوبر، حتى الآن، كان الإيرانيون يتنقلون بحكمة فيما كان يعتبر نظاماً بيئياً بالغ الخطورة على خلفية العملية العسكرية التي تقودها حماس.
علاوة على ذلك، فإن اختيار قيادة السنوار في غزة عدم إبلاغ الإيرانيين أو قيادة حزب الله في لبنان قبل القيام بعملية 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل لا يزال يكشف عن طبيعة ما يسمى بـ “محور المقاومة”.
خلال لقاء وجهاً لوجه بين زعيم حماس في المنفى، إسماعيل هنية، والمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في نوفمبر 2023، ورد أن الأخير أبلغ هنية أن إيران لن تدخل الحرب مباشرة لأن حماس لم تأخذ برأيها في ذلك.
ومن الممكن الآن أن يتغير هذا الموقف من جانب الإيرانيين في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، وهنا، فإن توقيت الضربة الإسرائيلية له دلالة بالغة الوضوح.
بمعنى آخر، هل كانت الغارة الجوية الإسرائيلية على الأراضي الدبلوماسية ذات السيادة الإيرانية في دمشق ردًا مباشرًا ومدمرًا من نتنياهو على إدارة بايدن التي “تجرأت” على أن تصبح صريحة في انتقادها للطريقة التي يدير بها الجيش الإسرائيلي هجومه في غزة؟
إن ما يتكشف الآن هو لعبة شطرنج عالية المخاطر بين الحلفاء والخصوم، ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإن ضمان بايدن “الصارم” للرد الأمريكي في حالة شن إيران هجومًا على إسرائيل، والذي أعلنه مباشرة بعد الغارة الجوية الإسرائيلية، يؤكد بكل المقاييس أن نتنياهو نجح في إعادة بايدن إلى الخط.
ومن خلال القيام بذلك، استخدم نتنياهو بشكل حاذق عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية الذي يحوم فيه دونالد ترامب الصاعد في الخلفية كبديل متشدد مفترض.
وفي الوقت نفسه، بالنسبة للقيادة الإيرانية في طهران، سيتم وزن قانون العواقب غير المقصودة بشدة عندما يتعلق الأمر بأي رد على الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة.
فكيف يمكن للنظام الحالي أن يكون واثقاً من الدعم الجماهيري في الداخل لمواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل، ناهيك عن الأمريكيين أيضاً؟ كشفت “احتجاجات الحجاب” القصيرة ولكن المتشددة في صيف عام 2022 عن الشقوق داخل المجتمع الإيراني التي لا تزال موجودة إذا كانت مخفية في الوقت الحالي.
إن خطر تمزق هذه الشقوق الاجتماعية مرة أخرى هو خطر صارخ في المستقبل، ولا يعني ذلك أن المجتمع الإسرائيلي يشكل حالياً نموذجاً للتماسك الاجتماعي بالمقارنة.
إن التصعيد في هذه الظروف، وفي هذه المرحلة، أمر حتمي لنتنياهو وآخر ما يريده الإيرانيون، والنتيجة هي رقعة شطرنج يتم اللعب عليها الآن بمستقبل المنطقة بالكامل، وبالتالي الاستقرار العالمي، حركة واحدة ستدخل المنطقة في حرب مدمرة جديدة.
يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أكثر المتحمسين لضرب البرنامج النووي الإيراني وتعطيله، والقضاء على النظام الإيراني ولطالما حاولت ادارته اقناع الولايات المتحدة بضرورة التحرك عسكريا لضرب طهران.
وكما يستغل هجوم 7 أكتوبر المتهور من جانب حماس لاجتياح غزة والقضاء نهائيا على الحركة المسلحة، فهو يرى أن الفوضى الحالية مواتية جدا لجر ايران إليها ومعها الولايات المتحدة الأمريكية.
في حال حصول هجوم ايران على إسرائيل بشكل مباشر، فإن إسرائيل لن تسكت وسترد عسكريا بشكل مباشر، وحينها ستجد ايران نفسها في الفخ الذي تتجنبه طيلة الوقت والذي نصبه لها بنيامين نتنياهو.
إقرأ أيضا:
روسيا تؤيد الضربات الإسرائيلية على سوريا لطرد ايران
هل تندلع الحرب بين ايران وباكستان بسبب سيستان وبلوشستان؟
فكرة بيع غزة للإمارات والسعودية التي ترفضها ايران
هل تستطيع ايران اغلاق مضيق جبل طارق؟
حماس تعطل الممر الإقتصادي الهندي لصالح ايران وروسيا