
كما كان متوقعا وافقت دمشق على صفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والكهرباء من الأردن الذي يتم إنتاجه بالغاز القادم من مصر.
هي صفقة تشمل أكثر من دولة، ونتحدث عن مصر والأردن وسوريا ولبنان وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي وافقت على ذلك وقررت استثناء هذا الموضوع من العقوبات المفروضة على دمشق.
وبالطبع تأتي الموافقة الأمريكية من أجل منع اعتماد لبنان على ايران في استيراد الوقود وإنتاج الكهرباء وبالتالي فإن البديل المصري عبر سوريا أفضل لواشنطن.
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تقف على الصف المعاكس لدمشق، لكن بعض أهم حلفائها مثل الإمارات ومصر لديهما علاقات مع دمشق ويمكنهما لعب دور إيجابي في المنطقة.
منذ أشهر أشرت إلى أن الصراع في سوريا لن يستمر للأبد، وأن هناك تسوية تطبخ على نار هادئة، ستحدث مع الإنسحاب الأمريكي الشامل من المنطقة.
وإلى يومنا هذا لم تكتمل معالم التسوية الشاملة، فالإنسحاب الأمريكي لن يكون على حساب مصالحها وهي مهتمة بأن تكون لها علاقات جيدة مع شعوب المنطقة والأهم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي الذي يعد مصدرا مهما للعداوة والحروب في المنطقة.
نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا سيساعد على تخفيف أزمة بيروت مع الطاقة، حيث ستحصل على الغاز للإستخدام المنزلي وكذلك الكهرباء المهم في الصناعة وبقاء الناس على اتصال بالإنترنت.
لكنه في الواقع بداية لأمور مهمة، أولها الإعتراف بأهمية دمشق على الخريطة السياسية والإقتصادية للمنطقة، وهذا ما سيدفع الدول العربية للمطالبة بعودتها إلى الجامعة العربية والمؤسسات العربية التي طردت منها.
ومن جهة أخرى تسرع هذه الخطوة التسوية الشاملة والتي ستشمل ايران والسعودية وإسرائيل، هل يمكن أن نرى اتفاقيات تطبيع جديدة؟ كل شيء ممكن هذه الأيام.
كي تتعافى سوريا ينبغي رفع الحصار الأمريكي عليها، فالوعود الصينية والروسية والإيرانية بالإعمار لن تكون فعالة دون تفاهم مع الولايات المتحدة، يفتح الباب أيضا لدول الإتحاد الأوروبي بالإستثمار في سوريا والمساهمة في الإعمار.
من يعتقد أن الصين هي الوحيدة التي ستنشط في اعمار سوريا فهو مخطئ، هناك الإمارات والسعودية وشركات دولية متعددة الجنسيات التي تنتظر هذه التسوية الشاملة وسيكون هناك نشاط مصري أيضا على الساحة وعودة العلاقات التجارية مع تركيا، الدولة التي شكلت حدودها بوابة للإرهابيين وداعش.
ينبغي أن تكون لدى سوريا استراتيجية سياسية جديدة، تبحث من خلالها عن مصالحها الإقتصادية وتنويع علاقاتها ولما لا تخرج من سياسة المحاور المؤلمة.
وهذا لا يعني أنه ينبغي أن تتخلى عن حلفائها مثل روسيا وايران، لكن التنويع والتفاهم مع مختلف الدول يخلق البيئة للتعافي السريع والبرغماتية تفرض ذلك.
تعد سوريا دولة مهمة للغاية، وموقعها الجغرافي يجعلها الرابط بين آسيا وأوروبا، وسيكون لها دور مهم في التجارة بين الشرق والغرب، وهذا ينبغي أن يدفع القيادة السورية في دمشق إلى صياغة رؤية جديدة تكون جاهزة للتبني مع استعادة بقية الأراضي السورية.
وينطبق الأمر نفسه على لبنان، ذلك الجار الذي ينهار بسرعة هذه الأيام، والذي ينبغي أن يدخل هو الآخر في التسوية الشاملة المرتقبة.
بدون التفاهم الإيراني الأمريكي والتفاهم بين السعودية وايران والوساطة المصرية والإماراتية بين العرب وسوريا، ستبقى التسوية غير مكتملة ولا يمكن تجاهل لبنان الذي يتأثر عادة بما يحدث في سوريا.
وتسعى مصر لإحياء تعاون العرب من خلال تعاونها مع الأردن والعراق وسعيهم لإخراج سوريا مما هي فيه، لذا ستكون القاهرة من العواصم المؤثرة في التسوية الشاملة.
وما التفاهم التركي الإماراتي والتقارب التركي المصري إلا جزء من هذه التسوية الشاملة التي تطبخ على نار هادئة ونأمل أن تتحقق في أسرع وقت لأنها تصب في صالح الشعوب وللتركيز على مشكلات أكبر مثل تغير المناخ ومشكلة المياه والبطالة والتي ستحدد مستقبل المنطقة.
إقرأ أيضا:
مفتاح نهاية انهيار اقتصاد لبنان وبدء اعمار سوريا
انهيار اقتصاد الجزائر … فنزويلا أم سوريا جديدة؟
ربط البحار الخمسة وتنمية سوريا والعراق
أطماع تركيا الإقتصادية في ليبيا وسوريا والدول العربية