كان من المفترض مباشرة بعد عيد الأضحى أن يخوض المغرب إصلاحات عملته وسياسته النقدية، وكان بنك المغرب أو ما يدعى البنك المركزي مستعدا لتبني تعويم الدرهم المغربي التي أعلن عنها سابقا، غير أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني فاجأ الجميع برفضه إعطاء الضوء الأخضر لبدء عملية الإصلاحات.
قيل أن هذه الخطوة المفاجئة من الساسة جاءت في ظل حراك الحسيمة الذي يهدد الأمن القومي للمغرب وقد يدفعه للحاق بضحايا ما يدعى الربيع العربي، ولا تريد المملكة مواجهة أزمتين في ذات الوقت لأن ذلك سيكون مؤلما للإقتصاد الوطني والشعب والإستقرار في البلاد.
والآن مع هدوء الحراك ودخول القصر على الخط بسياسة جيدة تتبنى محاسبة الفاسدين السياسيين وتسريع الأنشطة التنموية في الإقليم، نأمل أن يحصل بنك المغرب على الضوء الأخضر فالتأجيل مؤلم ويستنزف الإحتياطي من النقد الأجنبي الذي تراجع بنسبة 20 في المئة بفعل عمليات البنوك في شراء العملات الصعبة والتحوط لمضاربة مربحة على طريقة البنوك المصرية والمستثمرين في مصر ممن استغلوا التعويم لزيادة ثرواتهم.
هناك العديد من الأسباب التي تدفع المغرب للتوقف عن التأجيل المؤلم وتبني تعويم الدرهم المغربي.
-
تعويم الدرهم المغربي خطوة لا مفر منها
وفق المعايير الدولية التي تحكم النظام المالي العالمي فإن أي دولة تريد عملتها أن تتمتع بمصداقية وبثقة المستثمرين يجب تعويمها وهذا لتكتسب قيمتها الحقيقية وفق قانون العرض والطلب، الربط بالدولار واليورو وتدخل البنك المركزي لتحديد قيمة الدرهم المغربي يجعلها عملة أقل ثقة ومصداقية.
المغرب كما مصر وعدد من البلدان تؤمن بأن إجراء الإصلاحات المالية هو أمر ضروري لإيقاف استنزاف الإحتياطي من النقد الأجنبي وتعزيز الصادرات الفلاحية والصناعية وتقوية قطاع الخدمات والشركات والاستثمارات.
بنك المغرب يؤمن بأنه لا يوجد أي خيار آخر سوى تعويم الدرهم المغربي وجعله متحررا من القيود والتبعية لكل من اليورو و الدولار.
-
هناك فرق بين وضع مصر ووضع المغرب عند التعويم
كان من المفترض أن تذهب مصر إلى تعويم الجنيه المصري منذ 2003 في عهد مبارك حيث كان الوضع الإقتصادي والسياسي مستقر للغاية، غير أن القيادة المصرية أضاعت هذه الفرصة الثمينة واستمرت في التحكم بقيمة العملة المحلية حتى اندلعت الأزمة نتيجة الحراك السياسي والفوضى التي ميزت مصر بعد عهد مبارك إلى أن جاءت القيادة الحالية للحكم ووجدت نفسها مضطرة للتعويم ولم يكن خيار الرئيس السيسي لكن كان مفروضا عليه لحل الأزمة.
بدأ تعويم الجنيه المصري كليا خلال نوفمبر العام الماضي وكانت الأشهر الأولى هي الأصعب في هذا الإصلاح حتى توقع كثيرون أن ينهار الجنيه المصري وهو ما لم يحصل.
ارتفعت الاستثمارات الخارجية في البورصة المصرية والسياحة وازداد الإحتياطي من النقد الأجنبي ليتوفر الدولار ويكون بإمكان التجار مواصلة تجارتهم دون مشاكل.
في المقابل فإن المغرب يعيش حالة من الاستقرار السياسي والإقتصادي وقد حقق تقدما على مستوى العديد من المجالات الإقتصادية منها القطاع السياحي والتجاري وارتفاع الصادرات الفلاحية، وهذه هي فرصته الذهبية للتعويم في ظل تعافي النظام المالي العالمي.
يفترض أن لا يكون تعويم الدرهم المغربي مؤلما بشرط أن يمنع بنك المغرب المضاربة القوية على العملة والتي عاشتها مصر وزادت الطين بلة.
-
تعويم الدرهم المغربي حل لتجنب ارتدادات الأزمات المالية العالمية
من الواضح للجميع أن اندلاع أزمة مالية عالمية جديدة هي مسألة وقت فقط وارتفاع البورصات العالمية بقوة قد تعقبه انتكاسة قوية تضرب كل مكتسباتها في الصفر.
وبالطبع فإن الأزمة المالية لا تستهدف البورصات فحسب ولكن واحدة من الأشياء التي تتضرر هي كل من الدولار واليورو وبالتالي العملات المرتبطة معها.
مع تعويم الدرهم المغربي ستكون قدرة النظام المالي المغربي على تفادي ارتدادات الأزمات المالية العالمية أفضل من قدرتها الراهنة.
نهاية المقال:
لا مزيد من تأجيل تعويم الدرهم المغربي حان الوقت لنواجه مخاوفنا، الكابوس هو تأجيل الإصلاح وترك عملتنا مرتبطة باليورو والدولار المهددين بعواصف مالية قوية، حان الوقت للتخلص من التردد والخوف والسير في طريق مباركة قد تكون مظلمة وموحشة في بدايتها لكن أنا متأكد أنها تؤدي إلى استقرار مالي جيد وعملة ذات سمعة أفضل.
لم أكن لأؤيد التعويم لو أن العملات ما زالت مرتبطة بالذهب، لكن لأنها تعتمد على الدولارات واليورو اللذان خضعا للتعويم سابقا فقد حان الوقت للإعتماد على النفس.