إذا كان من الصعب عليك فهم سبب رفض الرياض مساعدة مصر ما دامت الأخيرة غير ملتزمة بخارطة طريق صندوق النقد الدولي، وتبدو مواقف السعودية الأخرى مثل العلاقات مع ايران وإسرائيل ضبابية بالنسبة لك، فهذا لأنك لا تعرف بوصلة السعودية.
البوصلة الجديدة التي تحكم السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية، هي السعي وراء شرق أوسط جديد يكون السلام القاعدة الأساسية فيه والتنافس الاقتصادي والتجاري والثقافي الأذرع الأخرى للمشروع.
وكي يتحقق حلم محمد بن سلمان لتحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، تحتاج المنطقة إلى تجاوز الحروب والصراعات الحدودية، من ايران إلى شمال أفريقيا وإلا فهذا سيبقى حبرا على ورق.
من أي جاء حلم أوروبا جديدة؟
اشتهرت القارة الأوروبية بأنها مصدر الحركة التنويرية والفلسفة المعاصرة والاختراعات والإبتكارات، رغم ذلك لم تتقدم فعليا إلا بعد أن تجاوزت الحربين العالميتين اللتان كانت أوروبا بؤرة ومنطقة أساسية فيها.
رغم انتصار دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية إلا أن فرنسا والمملكة المتحدة والإتحاد السوفياتي وهي أطراف منتصرة خرجت منها بخسائر كبرى.
وتم إعادة بناء القارة الأوروبية من جديدة مع إلتزام القادة ووجود إرادة شعبية لتجاوز لغة الحرب العسكرية، حتى في الحرب الباردة، كانت معظم أوروبا مع هذا الحلم لذا سقط الإتحاد السوفياتي الذي كان يحاول عسكرة القارة ودفعها إلى حرب جديدة ومعه سقط جدار برلين وتوحدت ألمانيا أخيرا.
ولا يختلف الحال كثيرا للشرق الأوسط، لقد شهدت سوريا لوحدها حربا بالوكالة شاركت فيها الكثير من الدول عسكريا واستخباريا، وكان العراق مسرحا لأبرز حرب عسكرية في المنطقة، وهناك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لا ينتهي، وحرب لبنان 2006، دون أن ننسى تحول المنطقة إلى ملاذ للإرهابيين والحركات الجهادية التي كانت تهدد مختلف الدول بما فيها الخليجيين، ثم حرب اليمن والصراع في ليبيا، وحاليا الحرب في السودان.
الصراعات في الشرق الأوسط كثيرة لدرجة أنه من الصعب تحقيق توازن كما فعلت سلطنة عمان التي تحافظ على علاقات جيدة مع المعسكرات المختلفة، أما بقية الدول الأخرى فهي متورطة في الصراعات سواء عسكريا أو ماليا أو إعلاميا، وكان حصار قطر والصراع الخليجي التركي من أبرز هذه الملفات أيضا.
كيف يمكن تحقيق حلم أوروبا جديدة؟
تعمل السعودية على تنفيذ إصلاحات كبرى داخليا مثل التخلي عن الفكر الوهابي إضافة إلى تنويع الإستثمارات ومصادر الدخل وكذلك الخصخصة وزيادة أعداد السياح واستقطاب الشركات والإستثمارات، داخليا تتحول المملكة إلى دولة حديثة ليس فقط اقتصاديا بل فكريا وثقافيا.
ومن جهة أخرى تشجع المملكة وفي إطار مجلس التعاون الخليجي بقية الأعضاء على الإنتقال المتسارع إلى اقتصاد عصر ما بعد النفط، كي تبقى الدول الخليجية غنية وآمنة ومستقرة وفي ذلك مصلحة للمملكة وللجميع.
لكن الخليج العربي غير معزول عن اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل ومصر وتركيا وما إلى ذلك من الدول الأخرى التي يجب أن تتجاوز أزماتها وخلافاتها وتشارك في بناء شرق أوسط أفضل.
في 2018، وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اقتصاد دول منطقة الشرق الأوسط بأنه “سيتغير خلال السنوات الخمس المقبلة” معبراً عن تفاؤله الكبير في الخطط الطموحة في عدد من دول المنطقة، ومنذ 2020 تسارعت حركة التسوية الشاملة في المنطقة والتفاهمات.
خطوات تحقيق حلم أوروبا جديدة
وحاليا هناك صلح خليجي تركي، وأيضا انفتاح سعودي على سوريا، والإتفاق الإيراني السعودي، بينما تتقدم التفاهمات مع إسرائيل في انتظار أن الصفقة الكبرى.
بطبيعة الحال لا تزال هناك العديد من الخلافات والملفات الساخنة، لكن الرياض تراهن على الدبلوماسية وتأثيرها الكبير عربيا واسلاميا من أجل دفع الأطراف المختلفة إلى حل هذه المشاكل.
في الملف المصري، تتزعم السعودية دول الخليج التي ترفض ضخ المليارات من الدولارات في الاقتصاد المصري دون اجراء إصلاحات حقيقية وخصوصا إصلاحات صندوق النقد الدولي التي تصب في مصلحة الدولة المصرية والشعب في النهاية، والتحول إلى دولة باقتصاد حر عوض دولة ذات اقتصاد عسكري.
وفي الملف الإيراني، تأمل الرياض أن يكون الاتفاق مع طهران بداية لحل الملفات الخلافية الكبرى في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وفي الملف الإسرائيلي الفلسطيني ترحب الرياض بالتطبيع مع إسرائيل لكن بشرط انهاء الحرب وحل الدولتين وتجاوز الماضي تماما في هذا الملف.
حل هذه الخلافات والصراعات يمهد لعصر جديد تتنافس فيه الدول اقتصاديا وتجاريا وتستقطب الإستثمارات وتصبح منطقة مستقرة وآمنة تماما.
كل هذا سينعكس إيجابا في النهاية على المملكة السعودية التي ستكون قادرة على استقطاب السياح والمستثمرين دون الخوف على أنفسهم في منطقة تشهد عادة تهديدات باندلاع حروب جديدة.
إقرأ أيضا:
قصة اتفاق التطبيع بين ايران والسعودية ومكاسب الصين
شروط المغرب للموافقة على تطبيع العلاقات مع سوريا الأسد
مذهب إسلامي جديد على يد صالح المغامسي مبني على الديانة الإبراهيمية
التطبيع السعودي الإيراني الإسرائيلي يعزز رؤية 2030 الاقتصادية
تحالف الإمارات والهند وإسرائيل برعاية أمريكية
قصة اتفاق التطبيع بين ايران والسعودية ومكاسب الصين