يتوقع معظم الاقتصاديين أن الإقتصاد الصيني سوف يستمر في النمو وأنه سوف ينافس حجم الاقتصاد الأمريكي في المستقبل المنظور.
إذا حدث ذلك فسيعني ذلك أن الشعب الصيني لن يعمل بعد الآن على هذا النوع من الأجور الذي يسمح ببيع الكثير من المنتجات الاستهلاكية بسعر رخيص في الولايات المتحدة والأسواق العالمية.
لعقود طويلة ظلت الصين مصدرا للمنتجات الإستهلاكية الرخيصة، بداية من الملابس إلى أدوات الطبخ نحو التكنولوجيا وحتى الأغذية.
لسنوات عديدة ظل معدل التضخم في الولايات المتحدة منخفضًا بسبب الأجور الصينية المنخفضة التي تسمح للأميركيين بشراء المنتجات بثمن بخس.
إذا كان الاقتصاد الصيني ينمو كما هو متوقع فإن ذلك سوف ينتهي، سيتعين على شركات المنتجات الاستهلاكية إيجاد دول جديدة للتصنيع أو دفع المزيد من الأموال للعمال الصينيين.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لبقية دول العالم التي تعتبر المنتجات الصينية رخيصة وتوفر للمستهلكين خيارات كثيرة بأسعار أقل من المحلي والأمريكي والدولي.
-
لماذا منتجات الصين رخيصة جدا؟
ليس شيئًا جديدًا أن منتجات الصين رخيصة الثمن، عادة سيكون الرد النموذجي هو “الصين تستخدم عمالة رخيصة” لتصنيع سلعهم.
وفي حين أن بعض المصانع لا تزال تعمل في ظل ظروف سيئة إلا أن الصين قد تحسنت بشكل عام، عندما يفكر معظم الناس في هذا البلد فإنهم يفكرون في الظروف الاستغلالية الجهنمية للمصانع الصينية في التسعينيات.
في الواقع لا تتوقف صناعة المنتجات الرخيصة على العمالة الرخيصة واليد العاملة التي تعمل لساعات طويلة بأجور زهيدة، بل هناك عوامل متعددة أخرى.
من هذه العوامل نجد العملة الوطنية للصين، ونتحدث عن اليوان الصيني الذي يعد رخيصا مقارنة مع الكثير من العملات الاخرى بما فيها الدولار الأمريكي.
يستخدم معظم التجار حول العالم الدولار الأمريكي في التبضع من الصين والتسوق وشراء المنتجات التي يبيعونها في بلدانهم.
حتى بالنسبة للدول التي تستورد من الصين بعملاتها تلاحظ أن عملة هذه الأخيرة الأرخص تساعد عملاق آسيا على اغراق الأسواق بالبدائل الرخيصة في شتى المجالات والصناعات.
طورت الصين أيضا شبكة عملاقة من الطرقات والموانئ لنقل البضائع بسرعة وبتكاليف أقل، وهي تعمل على تطوير هذا الجانب من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية.
تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع دول مختلفة والشركاء التجاريين لدرجة أنها أصبحت لاعبا لا يمكن لأي طرف في العالم التخلي عنه.
وتعمل على طرق مختصرة إلى أسواق عالمية مثل الإتحاد الأوروبي بدون أن تمر بسفنها لمسافات أكبر عبر قنوات كبرى مثل قناة السويس.
استثمرت الصين 9٪ من ناتجها المحلي الإجمالي في البنية التحتية، في حين أن معظم الدول الغربية تستثمر فقط 4٪ في أحسن الأحوال.
هناك عامل آخر وهو أن الكثير من المصانع والشركات في الصين مملوكة للدولة، وحتى الخاصة منها تحظى بمميزات تجعلها افضل في المنافسة مع نظيرتها العالمية ما يقلل عليها من التكاليف ويشجعها على تخفيض أسعار خدماتها ومنتجاتها في الأسواق العالمية.
-
هل ستبقى المنتجات الصينية أقل تكلفة دائما؟
حفزت الصين النمو من خلال الاستثمار، هكذا نمت دول آسيوية أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية اقتصاداتها وأصبحت دولًا ثرية اليوم.
لكن الصين لم تكن فعالة في إنفاق رأس مالها مثل اليابان وكوريا الجنوبية، مستوى الثروة النسبية الذي تم تحقيقه في الصين اليوم ليس بنفس مستوى اليابان وكوريا الجنوبية رغم أن الفقر يواصل الانهيار في هذا البلد وهناك العشرات من المليارديرات الجدد كل عام من هذه الدولة.
هذا يعني أن أغلب المواطنين في الصين لا يزالون مقتنعين بالوظائف في تلك المصانع التي تتم فيها الكثير من العمليات الصناعة يدويا، وهو ما سيجعلهم يقبلون عليها ويسمح لهذه الشركات والمصانع بمواصلة انتاج منتجاتها وعرضها بأسعار رخيصة.
من الواضح أيضًا أن مئات الملايين من الأشخاص ما زالوا يعملون في الزراعة التي تتسم بالكفاءة العالية وسيكونون جاهزين للهجرة إلى المزيد من الأعمال الصناعية التي تخلق أجوراً أعلى.
وحتى ان افترضنا ان المصانع ستعمل خلال السنوات القادمة على زيادة الأجور لأن تكاليف المعيشة تزداد في الصين كما هو الحال في كافة دول العالم، فهذا لا يمنع هذا البلد من أن تظل مصدرا للمنتجات الصينية الأقل تكلفة.
الجانب الإيجابي للمنتجات الصينية أنها على مستوى الجودة تتطور وهناك فئات متعددة منها ما هو سيء ومتوسط الجودة وأيضا جيد للغاية وكلها تختلف على مستوى الأسعار وظروف التصنيع.
هناك عوامل خارجية أو عالمية من شأنها أن تزيد من أسعار المنتجات الصينية ومنها التوصل إلى اتفاق تجاري أفضل مع الولايات المتحدة وبقية دول العالم واعادة النظر في قواعد التجارة العالمية كي تحفظ الحقوق للمستوردين.
غالبا في رأيي ستتزايد أسعار المنتجات الصينية مع مرور السنوات بالتدريج وهذا بالنسبة لأغلبها، بينما ستبقى سوق المنتجات الرخيصة جدا قائمة ومعتمدة على الجودة السيئة.
نهاية المقال:
السؤال الأول الذي أجبنا عليه يتعلق بأسباب قلة تكلفة المنتجات الصينية، بينما السؤال الثاني أكثر أهمية للمستقبل وأجبنا عليه أيضا بناء على توقعاتنا.