انتشرت في الساعات الماضية شائعات تفيد أن مصر تتجه إلى بيع قناة السويس بمبلغ تريليون دولار أو 1000 مليار دولار أمريكي.
الشائعة التي صدقها جمهور كبير من المصريين، نفت اليوم الحكومة المصرية صحتها، وهذه ليست المرة الأولى التي نسمع بهذه الشائعة.
لكن إذا افترضنا صحة شائعة بيع قناة السويس، هل من المعقول أن تدفع جهة معينة تريليون دولار لامتلاك القناة؟ وهل هذا استثمار ناجح؟
بيع قناة السويس ممكن
رغم أن الدستور المصري يتضمن المادة 43 من الدستور المصري، الذي ينص على إلتزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، إلا أن بيعها ممكن في نهاية المطاف إذا تم التعديل على هذه المادة من الدستور.
لكن البيع الذي نتحدث عنه هي خصخصة تحث إدارة الدولة، حيث الشركات التي ستدير القناة ستبحث عن تحقيق الأرباح والرفع من كفاءة القناة وتطوير المشاريع التنموية فيها بدون أن تنفق الدولة دولارات إضافية من الميزانية العامة.
أي شركة ستحصل على امتياز إدارة قناة السويس ينبغي مشاركة الاتفاق معها مع عامة الناس، كما الإتفاقية ستتضمن بوضوح أن الإستغلال هو لمدة معينة، وعادة ما نتحدث في مثل هذه الحالة عن 50 عاما فما فوق.
ستنفق الشركة لتطوير البنية التحتية وتحصل على الأرباح من العائدات وتستعيد استثماراتها بعد سنوات من عقد الاتفاق، وتحصل الدولة على مقابلا محددا لأنها توفر الحماية الأمنية والعسكرية للقناة.
بيع قناة السويس عبر البورصات
خصخصة القناة يمكن أن تتم عبر عدة طرق، واحدة منها طرح الشركة الحكومية التي تدير القناة في البورصة المصرية أو في بورصات عالمية.
في هذه الحالة ستختار الحكومة المصرية طريقا مشابها لما سلكته السعودية مع أرامكو التي طرحت جزءا منها في السوق السعودية وتريد طرح بقية الأسهم في أسواق عالمية.
تستغرق هذه العملية وقتا ويتم فيها تسعير القيمة السوقية للشركة وبالتالي قناة السويس، وفي هذه الحالة إن كان السوق يرى أنها بقيمة تريليون دولار ستكون هذه هي قيمتها الأولية بعد الطرح.
في هذه الحالة ستخضع القيمة السوقية للشركة التي تملك قناة السويس، لقوى السوق، وستعلن عن النتائج المالية كل ربح وبالتفصيل للمستثمرين.
بيع قناة السويس لشركة معينة
في عالم رأسمالي هناك شركات متخصصة في إدارة الموانئ والمطارات والممرات المالية، ويمكنها أن تتقدم بعروض للحكومة المصرية.
الشركة التي تقدم العرض الأفضل والذي سيعود على الحكومة بعائدات جيدة ويعفيها من الإنفاق على إدارة وإصلاح القناة ستفوز بالصفقة.
الصفقة في هذه الحالة في امتياز لمدة 50 عاما أو 100 عاما، تحصل بموجبه الحكومة على نسبة من الأرباح وفي غالب الأحيان على عائدات محددة والدخل أيضا من الضرائب بعد مدة من الإعفاء الضريبي.
الإتفاق النهائي يتحدد بناء على الكثير من العوامل حيث هذه الشركات تبحث عن الأرباح وفي حال استثمرت 10 مليارات دولار في تطوير القناة سترغب في الحصول على ضعفها من الأرباح.
عائدات قناة السويس ووضعها الحقيقي
حققت القناة في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية بلغت 9.4 مليار دولار، لكن منذ ذلك الحين تراجعت العائدات بالنصف في بعض الأشهر بسبب هجمات الحوثيين على السفن التي تمر في القناة.
لا تزال قناة السويس استراتيجية في التجارة العالمية حيث تمر منها بضائع بقيمة تريليون دولار سنويا، وفي المتوسط، تعبر القناة يوميًا 50 سفينة تحمل ما بين 3 إلى 9 مليارات دولار من البضائع.
انخفضت إيرادات قناة السويس في مصر بنسبة 40-50٪ تقريبًا في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ويرجع ذلك إلى الهجمات التي شنها المتمردون الحوثيون على الشحن الدولي في اليمن، مما دفع شركات الشحن إلى تجنب قناة السويس وإيجاد طرق بديلة.
وبينما تكشف الحكومة المصرية عن العائدات الشهرية وحسب الربع وخلال العام إلا أنها لا تكشف عن الأرباح النهائية والتي يتم تحصيلها بعد خصم التكاليف التشغيلية.
هل يمكن بيع قناة السويس بتريليون دولار؟
إذا افترضنا أن مصر تحقق سنويا 10 مليارات دولار عائدات وكلها أرباح، فهذا يعني أن الشركة التي تستحوذ عليها بتريليون دولار تحتاج إلى 100 عاما كي تستعيد فقط ما استثمرته.
ومن جهة أخرى لا توجد شركة خاصة يمكنها أن تدفع 1000 مليار دولار للإستحواذ ولم نرى مثل هذه الصفقات في قطاعات أكبر مثل القطاع التكنولوجي.
الحالة الوحيدة التي يمكن أن تدفع فيها شركة معينة تريليون دولار لشراء قناة السويس هي أن تكون شركة حكومية، من الإمارات أو السعودية أو قطر ولن يكون الأمر لأغراض تجارية فقط بل سياسية وسيغضب الشعب المصري.
من جهة أخرى تتراجع أهمية قناة السويس مع ظهور مشاريع جديدة مثل الممر الإقتصادي الهندي الأوروبي الذي تشارك فيه الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وهناك مشاريع طرقات تجارية أخرى تشارك فيها الصين وروسيا وتركيا وايران.
تسعة هذه المشاريع إلى تسريع الشحن من الصين والهند إلى أوروبا، ويعد الممر الإقتصادي الجديد رهانا أمريكيا لتحويل الهند إلى مصنع العالم الجديد.
يمكن أن تستفيد مصر من المشروع الهندي عبر ممر بري يربط السعودية ومصر، إلا أن ذلك لا يمنع من تراجع أهمية قناة السويس.
إقرأ أيضا:
بديل قناة السويس الذي تدافع عنه روسيا والصين
قناة السويس ستخسر التجارة بين الإمارات وتركيا لصالح ايران
مبادرات بديل قناة السويس من إسرائيل والإمارات
أهمية قناة السويس ولماذا هذا الممر هو الأفضل؟
مؤامرة السفينة الجانحة بقناة السويس ضد مصر
تداعيات جنوح سفينة قناة السويس على التجارة العالمية