بعد أن واجه حزبه هزائم لاذعة في الإنتخابات البلدية في أنقرة وإسطنبول الشهر الماضي، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ “برنامج اقتصادي قوي” لتغيير الإقتصاد في بلاده.
إنه محق في أن تركيا تعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة، البطالة في ارتفاع، والتضخم وصل إلى ما يقرب من 20 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عقد.
لكن الرئيس التركي يواجه معضلة مؤلمة: الخطوات التي قد تتخذها حكومته لتحسين الإقتصاد على المدى المتوسط من شأنها أن تسبب معاناة على المدى القصير.
هذا احتمال غير جذاب لأنه يفكر فيما إذا كان سيعلن عن إعادة انتخابات بلدية اسطنبول على أمل أن يفوز حزبه في تصويت جديد.
-
تحفيز الإقتصاد التركي على حساب التضخم المؤلم
إنه يفضل زيادة النمو الآن، ولكن الأساليب التي سيستخدمها في ذلك ستؤدي فقط إلى تفاقم مشاكل البلد على المدى الطويل.
المشكلة الأساسية الآن في تركيا هي أن الحكومة تواصل محاولة تحفيز الإقتصاد حتى لو كان ارتفاع التضخم يشير إلى أنه ينبغي لها أن تفعل العكس.
هناك منطق سياسي واضح وراء الحافز، واجه أردوغان سلسلة من الأصوات الكبيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الاستفتاء على الدستور في عام 2017، والانتخابات الرئاسية في عام 2018، والانتخابات البلدية لهذا العام.
حقق حزب العدالة والتنمية سمعة جيدة لنجاحه في تحقيق نمو اقتصادي سريع، وحاليا فإن هذه السمعة قد أصيبت بضرر بالغ مع استمرار خنق الأزمة لعملة البلاد ونجاحها في اجتياح الإقتصاد الحقيقي.
نجحت استراتيجية الحزب الأكبر في تركيا ولكن بتكلفة كبيرة، بفضل جزئياً لبرامج التحفيز هذه، يستمر أردوغان في الفوز في الانتخابات.
ومع ذلك، فإن كل محاولة متعاقبة للتدخل في الاقتصاد دفعت التضخم إلى الارتفاع، من أعلى بقليل من هدف البنك المركزي المتمثل في 5 في المائة خلال معظم العقد الماضي إلى 10 في المائة في عام 2017 و 20 في المائة اليوم.
مع زيادة التضخم انخفضت قيمة الليرة، قبل عشر سنوات كان كل 1 دولار يساوي 2 ليرة تركية، اليوم مع في فترة وجيزة الهبوط سعر الصرف أقرب إلى 6 ليرة لكل دولار.
جعلت الليرة المنهارة الأتراك أكثر فقراً، مقارنة بعقد مضى يتطلب الأمر ما يقرب من ثلاثة أضعاف شراء العديد من الدولارات لشراء سلع بقيمة دولار من الخارج، وتركيا اقتصاد يعتمد على التجارة نسبياً وبالتالي فإن الانخفاض في سعر الصرف يضر.
-
لماذا لا يريد أردوغان رفع سعر الفائدة؟
ورغم رفع سعر الفائدة الرئيسي من 8 في المائة قبل عام إلى 24 في المائة اليوم من قبل البنك المركزي، فشلت سعر الفائدة في ايقاف زحف الأزمة التي أصبحت واضحة للعيان منذ أغسطس 2018.
لا يريد الرئيس التركي رجب أردوغان رفع سعر الفائدة، فقد أكد مرارًا وتكرارًا بأن تقلب الليرة هو “عملية يقودها الغرب من قبل الولايات المتحدة” وأن “معدل التضخم سينخفض بينما تنخفض أسعار الفائدة” لكن لنضع جانباً تأملات أردوغان غير التقليدية في أسعار الصرف، حيث لا يزال هناك منطق سياسي لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة نسبيًا.
السبب هو أن ارتفاع أسعار الفائدة سوف يقلل التضخم عن طريق الحد من النمو الاقتصادي، إذا زاد البنك المركزي من تكلفة الإقتراض بالليرات، فسيشكل ذلك ضغطًا كبيرًا على البنوك التركية.
البنوك تمول نفسها جزئياً عن طريق اقتراض مليارات الدولارات وجزئياً من البنك المركزي، يجب عليهم تحويل جزء كبير من هذا الدين على أساس أسبوعي أو شهري (التفاصيل موجودة في تقرير الاستقرار المالي نصف السنوي للبنك المركزي التركي)، هذا يعني أنه عندما ترتفع أسعار الفائدة يصبح من الأفضل للبنوك تمويل نفسها.
وفي الوقت نفسه، فإن جميع القروض التي تقدمها البنوك التركية تقريبًا التي تقدم الأموال للأتراك لشراء المنازل أو السيارات، هي لفترة أطول وبأسعار فائدة ثابتة، وبالتالي ففي كل مرة يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة، فإنه بذلك يرفع تكاليف البنوك دون زيادة إيراداتها.
والنتيجة هي أزمة الائتمان، مع خفض البنوك للإقراض يشتري المستهلكون أقل والشركات تستثمر أقل، والاقتصاد يتباطأ وهو عكس ما يحتاج إليه أردوغان للحفاظ على الدعم السياسي.
وهكذا ضغطت الحكومة التركية على البنك المركزي للحفاظ على أسعار الفائدة أقل مما ينبغي، حتى لو كان ذلك على حساب ترك التضخم يتزايد في حين أن الليرة تغرق أكثر.
إلى وقت قريب، نجحت هذه الاستراتيجية بشكل جيد بما فيه الكفاية من الناحية السياسية، وقد ساعدت أردوغان في الفوز باستفتاء عام 2017 والانتخابات الرئاسية 2018. لكن غرق الليرة وارتفاع الأسعار كان أهم أسباب فقدان حزب العدالة والتنمية السيطرة على محافظتي إسطنبول وأنقرة في انتخابات هذا العام.
-
إصلاحات أردوغان مؤلمة على المدى الطويل
هناك أيضًا تكلفة اقتصادية طويلة الأجل، رغم أنها مخفية في الوقت الحالي في النظام المصرفي للبلد، بالإضافة إلى إقراض الليرة للمستهلكين الأتراك، قامت البنوك التركية أيضًا بإقراض الدولارات للشركات التركية.
كان ذلك منطقيًا عندما كانت الليرة مستقرة، لأن البنوك التركية كانت غارقة بالدولار، ولأن الشركات تجد أن اقتراض الدولارات أقل تكلفة من الليرات.
ومع ذلك، فإن سعر صرف الليرة المتهاوي قد وضع قنبلة موقوتة داخل البنوك التركية، اقترض الكثير من عملاء البنوك الدولار عندما كان سعر الصرف نصف المعدل الحالي.
الآن يجب أن تقدم هذه الشركات ضعف عدد الكيراتين لتسديد قروضها البنكية، مع تباطؤ الاقتصاد يتوقع معظم الاقتصاديين تراجع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 وهو ما يجعل مهمتهم أكثر صعوبة.
في الوقت الحالي، تصر بنوك تركيا ومنظموها على عدم وجود مشكلة، وتشير تجربة الأسواق الناشئة الأخرى التي تواجه أزمات مالية بطيئة إلى أنه قد يكون لديها بعض الوقت قبل أن تصبح المشاكل أكبر من أن يتم تجاهلها.
إذا غرقت الليرة أكثر فقد يأتي يوم الحساب، الحكومة قد تحمي بالفعل النظام المصرفي، لكن من المحتمل أن تكون الفاتورة النهائية أكبر بكثير، وسيظل دافعو الضرائب في تركيا عالقين في النهاية في سدادها.
نهاية المقال:
لماذا يفضل أردوغان تحفيز الإقتصاد عوض مواجهة التضخم؟ لماذا لا يريد رفع أسعار الفائدة على عكس البنك المركزي؟ وكيف ستستغل الأزمة رؤيته في تحطيم النظام المصرفي التركي؟ هذا ما أجبنا عنه هنا.