عندما بدأت الصين إصلاحات 1979 والوصول إلى ما هي عليه اليوم، كانت واحدة من الأمور التي وضعتها الدولة هي سياسة الطفل الواحد وفرضته ضمن قانون يتضمن عقوبة نفي الأسر التي لا تلتزم به إلى الأرياف والمناطق الصحراوية في الصين.
في ديسمبر 2013، عدل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على القانون وأقر إمكانية إنجاب طفلا ثانيا إذا كان أحد الزوجين هو الإبن الوحيد في أسرته، ثم ألغيت هذه السياسة في عام 2015 حيث تم السماح للجميع بإنجاب طفلين.
جاء قرار 29 أكتوبر 2015، بعد أن لاحظت الصين أن أعداد الشباب اقل من أعداد الفئات الأكبر سنا وهذا خبر سيء للإقتصاد الصيني.
ثم رأينا منذ أسابيع إقرار الصين سياسة إنجاب 3 أطفال لكل عائلة والسماح بذلك والبدء في دعاية داخلية قوية لتشجيع الشباب على الزواج والإنجاب وتكوين الأسر، لكن التقارير من داخل بلد التنين الأصفر تسلط الضوء على وضع سيء تسببت فيه سياسة الطفل الواحد.
وضع الصين ديمغرافيا كان جيدا والآن هو سيء:
في بداية طفرة التنمية الكبيرة في الصين، كان لدى البلاد تكوين ديموغرافي مثالي للنمو، في عام 1978 عندما أعلن دنغ شياو بينغ أنه من المقبول أن تصبح الأمة غنية، فإن سياسة الطفل الواحد التي أصدرها أيضًا لم تؤثر بعد على السكان العاملين.
في تلك المرحلة، كان قد حد فقط من عدد المواليد الجدد، كانت الصين لا تزال دولة فتية، بلغ الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عامًا، وهو التعريف المقبول لسن العمل بين الديموغرافيين حوالي 90٪ من السكان البالغين، ويمكن لجيش العمال هذا بسهولة أن يدعم الـ 10٪ المتبقية من البالغين الذين تقاعدوا من الإنتاج النشط وفي نفس الوقت يصعدون إلى متطلبات العمل والإدارة للتصنيع السريع.
كان لدى الصين تكوين ديموغرافي أكثر ملاءمة من الولايات المتحدة، حيث بلغ عدد السكان في سن العمل في ذلك الوقت حوالي 81٪ من السكان البالغين والمتقاعدين المعالين إلى حوالي 19٪.
لم تكن الديموغرافيات هي المساهم الوحيد في النمو المذهل للصين بعد قرار دنج، لكنها كانت جزءًا جوهريًا يجب التأكد منه.
تراجعت الصين من التفاخر بتسعة عمال لكل متقاعد في عام 1978 إلى ما يزيد قليلاً عن خمسة في عام 2020، وهي نسبة أفضل قليلاً من الولايات المتحدة.
قدر خبراء السكان في الأمم المتحدة أن عدد السكان في سن العمل في الصين لم يكن أعلى مما كان عليه في مطلع القرن، وشكلوا جزءًا أصغر من السكان البالغين حوالي 83٪ فقط.
وحاليا يتزايد كل يوم الأشخاص الذين يصلون إلى سن التقاعد بينما يتباطأ الشباب الجدد الذين يدخلون إلى مجال العمل في البلاد ما يهدد الصناعة الصينية.
على الرغم من أن بكين قد ألغت سياسة الطفل الواحد يبدو أن معدل الخصوبة المتأثر لم يرتفع، حتى لو ارتفع فسوف يستغرق الأمر من 15 إلى 20 عامًا قبل أن يبدأ في التأثير على أعداد السكان العاملين.
وحتى لو شجعت الصين الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن فإن الكثير من الشباب والعائلات الفلاحية متمسكة بأراضيها وزراعتها ولن تترك تلك المناطق الأقل كثافة سكانية وتذهب إلى مدن تكلفة المعيشة فيها مرتفعة إلى جانب التلوث الذي تعاني منه.
تراجع القوة العاملة والشباب:
بحلول عام 2040، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ستشهد البلاد انخفاضًا بنسبة 10٪ في عدد السكان العاملين، بينما سيزداد عدد المتقاعدين بنحو 50٪ وهو ما يضغط على ميزانية الصين الداخلية وقدرتها التصنيعية.
ستحد الشيخوخة أيضًا من القدرة الإبتكارية للبلاد، أثبت علماء الديموغرافيا من خلال أبحاثهم في براءات الاختراع وجوائز نوبل أنه في جميع الثقافات والأنظمة الإقتصادية توفر الفئة العمرية 30-40 الجزء الأكبر من ابتكار المجتمع.
في الصين من المتوقع أن تتقلص هذه الفئة العمرية بمقدار 100 مليون على مدار العشرين عامًا القادمة، من 43٪ من القوة العاملة إلى 37٪.
قد تلحق هذه الخسارة ضرراً أقل بالإقتصاد الصيني المخطط مركزياً مما قد تلحقه بالاقتصاد الغربي الأكثر انفتاحاً الذي يعتمد على المنافسة من أجل الإبتكار، لكنها ليست إيجابية بالنسبة للصين في المستقبل.
ستؤدي الحاجة إلى رعاية المسنين في نفس الوقت إلى عبء مالي للصين وتحد من خياراتها الاقتصادية وفقًا لذلك، ومع وجود 25٪ من السكان البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 64 عامًا في عام 2040، ستصنف الصين على أنها ما يسميه علماء الديموغرافيا بشكل جذاب السكان “كبار السن” وهذا الواقع أكثر تطرفاً حتى من اليابان في الوقت الحاضر.
نظرًا لأن أقل من 65٪ من العمال الصينيين يشاركون في خطة معاشات تقاعدية أخيرًا فإن الكثير من عبء دعم هؤلاء الأشخاص سوف يقع على عاتق بكين أو على عاتق الحكومات الإقليمية والمحلية.
ستستوعب هذه المطالب كميات هائلة من موارد الحكومة، يقدر صندوق النقد الدولي (IMF) أن إلتزامات المعاشات التقاعدية غير الممولة لبكين تصل إلى 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلد.
تراجع عدد سكان الصين:
بطبيعة الحال فإن تحول جزء مهم من سكان هذا البلد إلى المسنين يجعل حالات الموت ترتفع يوميا، وقد اكدت العديد من التقارير أن عدد السكان بدأ بالإنخفاض العام الماضي، إلا أن بكين رفضت الإعتراف بذلك.
لكن مجلس الدولة الصيني توقع أن يبلغ عدد سكان البلاد ذروته في عام 2030 ثم يبدأ في التراجع وهو تقرير صدر عام 2017، فيما أصدرت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية دراسة توقعت أن الإنخفاض سيبدأ في عام 2027.
وهذا خبر سيء لدولة تعتمد كثيرا على سوقها الداخلي ويعد حصنها ضد أي حصار عالمي قد تتعرض له أو تتعرض له الشركات الصينية.
الكثير من الذكور والقليل من الإناث يعقد الوضع أكثر:
تبلغ نسبة الإناث 48.71٪ مقابل 51.29٪ ذكور في الصين، ويوجد في الصين 37.17 مليون ذكر أكثر من الإناث.
والحقيقة أن هذا الواقع المؤلم للكثير من الشباب الذين يبحثون عن زوجة اليوم، هو نتيجة الآباء الذين يكشفون عن جنس المولود المرتقب فإذا اتضح أنه انثى اختاروا الإجهاض وتخلصوا منها.
أغلب الآباء بعقلية ذكورية إذ يعتقدون أن المولود الذكر أكثر فائدة من الأنثى ويمكنه أن يعيل أبويه عندما يكبر، على العكس الأنثى التي سينتهي بها المطاف كزوجة وأم ولن تقدر على البقاء مع والديها.
أدى هذا الوضع إلى ظهور تيارات مختلفة في صفوف الشباب الصيني، منهم فريق يلجأ إلى شراء الروبوتات الجنسية وإعلان الزواج بتلك الدمى والإرتباط العاطفي بها، وفريق اختار الخلاص في المثلية الجنسية والزواج بنفس جنسه، وهناك فريق اللاإنجابية المنقسم إلى الباحثين عن زوجات بمثل هذه الأفكار، وآخرين يرفضون فكرة الزواج والإنجاب معا.
وتراقب بكين بقلق كبير هذه التيارات وقد بدأت في قمع بعض أنشطة المثليين تحديدا حسب العديد من التقارير مؤخرا رغم اعتراف الدولة بحقوقهم.
إقرأ أيضا:
إيلون ماسك يدافع عن الإنجاب من أجل استعمار المريخ
اليابان: الذكاء الإصطناعي وحل مشكلة انهيار الإنجاب
5 أسباب تدفعك لتجنب قرض الزواج