نوكيا لم تمت بعد، لقد تخلت فقط على قسم المحمول لصالح مايكروسوفت بعد كل محاولاتها الهائلة لاستعادة مجد 15 سنة التي عاشتها بدون عواصف المنافسة التي لا ترحم و التي هدمت عرشها منذ صعود آيفون و ظهور اندرويد.
استغرب من هؤلاء الذين اختصروا الشركة الفنلندية في هواتف نوكيا و نسوا أن الشركة لديها أقسام أخرى منها الخرائط و هي بصدد التوسع أيضا لمجال بنيات الإتصالات كما أنها تمكنت سابقا من طرح أول جهاز لوحي لها Nokia N1 بنظام الأندرويد و المتاح في بعض الدول فقط أبرزها الصين التي شهدت اقبالا هائلا على هذا الجهاز.
بذات الوقت لدى نوكيا حلم قديم يتجدد في استراتيجيتها الجديدة، إنه حلم غزو قطاع الهواتف الذكية و العودة إلى العرش و هو الحلم الذي لم يمت أبدا رغم كل ما حدث و هو ما يعني أنها تعمدت الإنسحاب التكتيكي فقط و أنها ستعود في الوقت المناسب إلى ساحة المنافسة.
و فيما أعلنت الشركة الفنلندية توصلها إلى إتفاق مع العملاق الفرنسي-الأمريكي Alcatel-Lucent يقضي بأن يكون هذا الأخير جزء لا يتجزأ من الأول إبتداء من منتصف العام القادم و غالبا تحث إسم “نوكيا” في صفقة وصلت قيمتها إلى 16.6 مليار دولار، تتجدد أحلامها بشكل أكبر و هي الصفقة التي أرى من خلالها أنها ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد.
لكن كيف ؟ حسنا أعتقد أن أسئلتك كلها سنجيب عنها في قراءة معمقة لصفقة شراء نوكيا بالسطور القادمة.
- منافسة اريكسون السويدية و هواوي الصينية
مجال البنيات التحتية للإتصالات هي واحدة من مجالات التكنولوجيا التي تتمتع بأهمية كبيرة للغاية و هناك منافسة متنامية فيها، الأطراف المتحكمة بهذه السوق هي كل من اريكسون و هواوي إضافة إلى Alcatel-Lucent.
نوكيا اختارت هذه الأخيرة لأنها تتمتع بمصداقية و موثوقية أكبر من العملاق الصيني في أمريكا خصوصا و أن الحكومة الأمريكية سبق لها و اتهمت هواوي بالتبعية للحكومة الصينية الساعية باستمرار للتجسس على الولايات المتحدة و كندا في حرب “الصين-أمريكا” المستمرة.
إندماج نوكيا و Alcatel-Lucent في شركة واحدة سيوحد الجهود و سينتج عنه شركة تتمتع بنفوذ عالمي كبير للغاية في هذا المجال أبرز أطرافه أمريكا الشمالية و الصين.
هذا من شأنه أن يشكل خطرا على هواوي التي ستزداد الصعوبة عليها في أمريكا نظرا للعلاقة الجيدة التي تربط ألكاتيل مع Verizon, AT&T و Sprint فيما ستعاني اريكسون هي الأخرى من تبعات هذه الصفقة.
- خطوة لمواجهة طموحات سامسونج التوسعية
قد لا تعرف أن سامسونج هي واحدة من أهم اللاعبين في مجال قطاع البنيات التحتية للإتصال و أنها الأفضل فقط على مستوى صناعة الهواتف الذكية.
حسنا أود أن أخبرك بأن العملاق الكوري يملك بالفعل قسم خاص بصناعة معدات و تكنولوجيات الإتصالات أقل حجما من المنافسين و تنافس بقوة في اسيا لكنها في سنة 2011 توسعت لتنافس في أمريكا ثم قررت توسيع أنشطتها لتشمل بريطانيا و دولا في الإتحاد الأوروبي عام 2012 و هي الآن تصنف على أنها ثالث أكبر شركة في مجال البنيات التحتية هذا العام فيما ستضمن نجاح صفقة 16.6 مليار دولار تراجع الكوري إلى المرتبة الرابعة.
- إنهاء معاناة Alcatel-Lucent و العودة إلى التنافسية بقوة
لو كانت Alcatel-Lucent تبلي بلاء حسنا لما قبلت ادارتها بيعها للجار الفنلندي، لكن الحقيقة أنها تعاني في قطاعها الرئيسي رغم كل ما تملكه من تقنيات جيدة و نفوذ في السوق.
الصفقة في الحقيقة جاءت في وقتها المناسب و هي ستساعد الشريك الفرنسي-الأمريكي من أجل تخطي أزمته و العودة إلى المنافسة بقوة.
هناك ايمان قوي داخل أروقة الشركة المندمجة بأنها قادرة على النجاح في هذه المسيرة الجديدة، من المنتظر أن تدعى “نوكيا” و أن يديرها إدارة الشركة الفنلندية من هلسنكي و ستكون مهمتها الأولى إعادة هيكلة الشركة من جديد و تنظيم الوظائف و توفير 960 مليون دولار في التكاليف دون الإستغناء عن الوظائف و ذلك بحلول 2019.
الصفقة ستكون ناجحة لكل الأطراف حتى الحكومة الفرنسية التي تمنع غالبا عقد مثل هذه الصفقات قبلت هذه المرة عقدها بنجاح حيث سيسمح باقتصاد 200 مليون يورو اضافية من الرسوم المالية و زيادة نشاطات الأبحاث والتطوير في فرنسا بنسبة 25% و ذلك عن طريق توظيف 500 باحث اضافي ما سيرفع عدد العاملين في مجال البحث والتطوير في البلاد الى 2500 شخص خصوصا و أن فرنسا تعمل مؤخرا على زيادة الوظائف و تشجيع الشركات على المنافسة و الأجانب على الاستثمار أكثر لتخطي الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها كدولة من الدول المتأزمة في الإتحاد الأوروبي.
- عودة نوكيا إلى قطاع الهواتف الذكية من بوابة أندرويد
المجد القديم تريد نوكيا إعادة إحياءه و هذه المرة عن طريقة شراء Alcatel-Lucent و الدخول للمنافسة من بوابة أندرويد.
نعلم جيدا أن ألكاتيل مستمرة في مشروع طرح و إصدار الهواتف الذكية التي تنافس بها في أوروبا و هي العاملة بنظام الأندرويد و لها شعبية متنامية هناك خصوصا في فرنسا.
على الجهة الأخرى لدى نوكيا التاريخ و الخبرة الطويلة و القدرة على بناء مشروعها من الصفر بجودة أفضل و استغلال المصانع التي تملكها Alcatel-Lucent في عملية الإنتاج و الاستعانة أيضا بمصانع الطرف الثالث في الصين.
هواتف الأندرويد التي تحمل اسم نوكيا ليست وهما على ما يبدوا إنها حقيقة و سنرى أولى الهواتف في النصف الثاني من 2016 أو بالأحرى بداية لهذا المشروع خلال 2017.
نهاية المقال :
صفقة شراء نوكيا لشركة Alcatel-Lucent بسعر 16.6 مليار دولار لها معاني و أبعاد كبيرة للغاية، إنها صفقة أخرى مهمة للغاية تحدد معالم المنافسة القادمة و تؤكد على أن نوكيا لا تزال حية ترزق و لديها أحلام كبيرة منها العودة لعرش صناعة الهواتف في العالم و السيطرة على بنيات الاتصالات العالمية.