من المعلوم أن كل مؤسسة وشركة على وجه البسيطة معرضة للأزمات المالية والركود الإقتصادي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من عالم الأعمال والمال، بغض النظر عن مجال عمل المؤسسة وحجمها والدولة التي تتواجد بها فهي كلها تسير بنفس المنطق خصوصا في الأوقات الصعبة.
ومن المعلوم أن الشركات الناجحة في مختلف المجالات هي التي تهتم كثيرا بالموظفين، بصحتهم النفسية والجسدية وأيضا القدرة المادية وتوفير كل الإحتياجات لاستمرار الإنتاج والنجاحات والعائدات القوية، حتى أصبحنا نرى الكثير من الشركات التي ابتكرت مساحات عمل ومكاتب مختلفة عن الشكل التقليدي في الشركات، مثل جوجل و فيس بوك حيث الموظف يمكنه العمل على أريكة مريحة سواء في مكاتب فردية أو جماعية وهناك مرافق الإستراحة ومنها أماكن الأكل وأيضا الرياضة واللعب والترفيه، في محاولة منها لتشعر كل موظفيها بأنهم عائلة واحدة لا يجمعهم فقط العمل بل أيضا العلاقات الإنسانية الأخرى التي تتجلى في تبادل الأحاديث والنقاشات والترفيه والأكل معا.
إنها أيضا فكرة ياهو التي أنفقت الكثير من الأموال على الأكل والشراب والترفيه، ورغم نجاح ماريسا ماير في إضفاء روح العائلة على الموظفين بالشركة إلا أن هذا ليس بإنجاز في نظر المستثمرين الذين تهمهم العائدات من استثماراتهم ونحن أيضا المحللين ممن يرون تراجع العائدات فشلا أمام الأزمة.
في هذه الشركات يشعر الموظف بقيمة كبيرة له، يشعر أنه لا يعمل من أجل الراتب فقط، بل إنه جزء من عائلة كبيرة يشاركهم الإنجازات والعمل والأفراح والأحزان والأحداث الشخصية وتربطه علاقة قوية بهم أيضا، على عكس الشركات ذات المكاتب التقليدية والتي يعمل فيها كل فرد بمكتبه وفق مهامه وصلاحياته وليس مفروضا أن تربطه أية علاقة بزملائه.
ومن الجيد أنه انتشرت ثقافة تحسين التعامل مع الموظفين وتدريب الإداريين على ذلك، بل أيضا إن الشركات الناجحة تستثمر فيهم من خلال تكوينهم وأيضا تغيير الفرق التي يعملون بها لأخد خبرة كبيرة في مختلف المجالات ويكون كل موظف قادر على فعل أكثر من شيء، وهناك قاعدة مهمة وصحيحة، وهي أن الاستثمار في كل موظف في الشركة يعود على المؤسسة بالنفع من خلال تحسين الجودة والكفاءة وأيضا زيادة الإبتكار.
لكن في أوقات الأزمات وعندما تتكاثر الخسائر وتثقل كاهل الشركة وتضر بقيمتها السوقية، ويصبح المنافسين متفوقين أكثر عليها، فإن أول خطوة تلجأ إليها هذه المؤسسات بعد فشل المنتجات التي تطلقها في الرفع من العائدات، هي اتخاذ القرار المؤلم لكل شاب يعيل عائلته أو أب لديه أسرة أو حتى أم ملزمة بتوفير الحاجيات المادية لأولادها، أتحدث عن تسريح الموظفين.
إذا كنت تتابع أخبار الشركات فمن الطبيعي أن تقرأ العديد من أخبار تسريح الموظفين، سواء في البنوك الكبرى مثل دويتشه بنك الذي قرر منذ أيام تسريح 1000 موظف لأزمة يواجهها تطرقنا إليها سابقا، أو حتى تسريح الموظفين من شركات ومصانع انتاج بمختلف المجالات منها القطاع التقني ولك عبرة في مايكروسوفت التي قامت بتسريح 400 موظف في لندن منذ أيام أو حتى عمليات تسريح موظفين آخرين بقسم الموبايل تم توظيفهم بعد الاستحواذ على قسم الموبايل في نوكيا.
هذا غيض من فيض، ونحن هنا لا نريد أن نستعرض عمليات تسريح الموظفين التي تمت هذه السنة لأن مقال واحد لن يكون كافيا بالنسبة لها، لكن الأهم أن شركات مثل جوجل و فيس بوك التي أنت منبهر بمكاتبها المختلفة عن المألوف ووجود مرفقات الترفيه لتشعر كل موظف أنه جزء من العائلة وأن ما يجمع الموظفين ليس فقط العمل، لا تختلف عن الشركات ذات المكاتب التقليدية، كلها أثناء الأزمات تسرح الموظفين وتتخلص منهم على شكل أرقام وهو ما يؤكد بما لا شك فيه أن العلامة التجارية أو المؤسسة تظل أغلى وأهم من الموظف وهذه هي الحقيقة التي يجب ان يعرفها كل موظف غارق في الأوهام المنتشرة والتي تؤكد بأن الشركات الكبرى وتلك الناجحة تنظر إلى الموظف على أنه مهم للغاية لهذا فهي تدفع جيدا وتحرص على التأمين ووجود جو من الترفيه والمتعة بمكاتبها وتحرص على راحتهم، وهذه في الحقيقة اجراءات لزيادة الإنتاجية ونجاح تلك المؤسسات وخلق جو صحي للعمل، وعندما تأتي الأزمة وتصبح الأمور صعبة لا توجد رحمة ولا شفقة، لقد قررنا الإستغناء عن خدماتك، بالتوفيق لك في حياتك العملية والشخصية!
ما يجب أن تعرفه يا عزيزي، هو أن الموظف في الأزمات مجرد كبش فداء وأول من يدفع فاتورة الفشل سواء كانت المشكلة منه أم من الإدارة التي ترسم السياسات التنافسية للشركة، المهم هو تقليل الخسائر، والمهم أيضا هو إرضاء المستثمرين، هؤلاء الذين يدفعون المال لتمويل الشركة وعملياتها مقابل الحصول على الربح ولا يهم كيف؟ المهم أن تستمر آلة المال في العمل وإلا فإن الموظف أول من سيجد نفسه خارج أسوار المؤسسة وعليه أن يتدبر ذلك الراتب الذي يعيل به عائلته ويواجه الأزمة التي تتسرب إلى حياته الشخصية والعائلية.