منذ اللحظة الأولى لانتحار حركة حماس الإخوانية في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر، عملت الأبواق الإعلامية المحافظة على نشر فيروس الإخوان المسلمين.
واليوم بعد عام من هذه الحرب المدمرة التي تسبب فيها السنوار بخطته الإنتحارية، أصاب فيروس الإسلام السياسي المتطرف الكثير من الشباب ومنهم المسلمين المعتدلين.
انتشرت أفكار الجماعة المحظورة في الإمارات ومصر والسعودية والعديد من الدول العربية على نطاق واسع، وهذا ينذر بالأسوأ للمنطقة بعد نهاية الحرب وانكشاف هزيمة الحركة الفلسطينية.
فكرة الجيوش العربية “المرتدة”
من الوهلة الأولى للحرب تم استهداف مصداقية الجيش المصري ونظيره الأردني، أما الجيش السوري فقد تم تكفيره وشيطنته في الحرب الأهلية السورية.
ويتداول الناس كلاما منسوبا لعماد الحركة الأدبي وهو سيد قطب الذي قال: “إن هذه الجيوش العربية التي ترونها ليست للدفاع عن الإسلام والمسلمين إنما هي لقتلكم ولن تطلق طلقة واحدة على الصهاينة”.
وبسبب انتشار الجهل فقد صدقت الشعوب الجاهلة هذا الكلام، وتم تغييب المنطق والعقل والنظام الذي تعمل به اليوم الحكومات في عالم تجاوز مفاهيم الإمبراطوريات والخلافة الإسلامية.
لقد حصلت كل دولة عربية على استقلالها ولديها جيش وحدود تدافع عنه، وهذه الدول لم يعد بينها اتفاق عسكري مشترك للدفاع عن بعضها البعض.
ومن جهة أخرى حركة حماس هي منظمة فلسطينية لكنها ليست الحكومة، وهي تحكم غزة بعد أن سيطرت على القطاع عنوة وبالقوة وطردت فتح وأصبحت منذ ذلك الوقت وهي تحكم القطاع الذي انسحبت منه إسرائيل وتركته للفلسطينيين يتقاتلون فيما بينهم عليه.
أصبح الكثير من الشباب العربي اليوم يصدق كلام سيد قطب ويعتقد أنه محق، هذه الجيوش العربية لن تدخل في حرب ضد إسرائيل وعوضا عن ذلك ستحارب شعوبها.
والحقيقة أنه بفضل اتفاقية كامب ديفيد انسحبت إسرائيل من سيناء، ومنذ ذلك الوقت هناك سلام قوي وحقيقي مع الدولة العبرية، لكن الشعب المصري لا يزال ينظر إلى الجارة على أنها عدو بينما على المستوى الرسمي هناك سلام حقيقي.
ونفس الأمر بالنسبة للمملكة الأردنية التي عقدت اتفاق السلام مع إسرائيل، وليس من حقها أن تشكل هجوما على جارتها لأن ذلك سيكون عدوانا لا يقل عن ما فعلته حماس ستعاني بعدها الدولة الأردنية من حرب مدمرة.
احتقار الحدود الوطنية
من الجيد أن يتجاوز المرء الوطنية والقومية والتسميات الضيقة ويكون مواطنا عالميا، لكن فيروس الإخوان المسلمين لا يعترف بالمواطنة العالمية بل التبعية لخلافة إسلامية ستكون عاصمتها في تركيا.
عادة ما يشيد أبواق الحركة بالخلافة العثمانية ويعتبرونها أفضل نسخة من الخلافة الإسلامية والتي مرت على المسلمين وينبغي استعادتها وتسليم الدول العربية للأتراك.
لا يختلف حالهم عن حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية في العراق واليمن التي تعتبر بلدانها جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية الفارسية الشيعية الكبرى.
كل هذه الحركات تريد الخلافة الإسلامية لكن عاصمتها في دولا ليست عربية وهي تحتقر الوطنية ولا تعترف بالجنسيات والحدود، لذا يرددون أنها حدود مصطنعة صنعها الإستعمار الغربي.
والحقيقة أن كل دولة لديها حدود ولها الحق في أن تدافع عن سيادتها لكن عندما تقدم على التقدم في دولة أخرى أو تحتل جيرانها ستتعرض للعزلة وهو ما حدث مع روسيا التي وجدت نفيها معزولة بعد اجتياح أوكرانيا.
انتهى عصر الاحتلال العسكري والإمبراطوريات العسكرية، كل الجيوش أصبحت دفاعية، حيث تدافع عن سيادتها والأراضي التي تقع تحث سيطرتها.
وعلى العكس من الرغبة في الإتحاد بدولة واحدة هناك نزعة انفصالية في الشرق الأوسط بسبب تداعيات الغزوات الإسلامية، حيث يريد الأكراد الإنفصال عن سوريا والعراق وايران وتركيا، وهناك حركات انفصالية أخرى تريد الإنفصال لأنها تعتبر نفسها مقموعة ويحكمها عرق آخر.
شيطنة الحكام العرب
يتم التحريض على الحكام العرب سواء من قادة حماس أو بقية الجماعات المسلحة الأخرى التي تقدم نفسها على أنها هي التي تدافع عن شعوب المنطقة وليس الحكام.
والحقيقة أن تلك الجماعات والمنظمات تخدم أجندات خارجية ويريدون تنفيذ مشروع الخلافة الإسلامية التي تفقد فيها الشعوب ارادتها لمصلحة عواصم أخرى في ايران وتركيا.
من جهة أخرى يدافع الحكام العرب عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن تكون هناك دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية ويتم تطبيع العلاقات وتركز هذه الدول على التنمية الاقتصادية والتنافس الإقتصادي عوض اشعال الحروب التي دمرت المنطقة.
لقد تجاوزت المنطقة عصر الحروب الإسرائيلية العربية التي جلبت الدمار الإقتصادي لدول وعلى رأسها مصر، واليوم يميل القادة العرب إلى التسوية الشاملة للصراعات التي أصبحت تخدم أجندات تهدد سيادة الدول والأمن الجماعي لها.
تصاعد الخطاب المتطرف
من خلال مراقبتنا للشبكات الاجتماعية اليوم يمكن القول أن هناك تصاعد للخطاب المتطرف سواء ضد اليهود أو الغرب أو حتى الحكومات العربية والأنظمة السائدة.
هذا الغضب المتصاعد تستثمره جماعة الإخوان المسلمين وذلك لدفع الشعوب العربية مجددا إلى الشارع وأيضا للسقوط في الفوضى وتظهر داعش وشبيهاتها التي تستمد شرعيتها من الفكري الإسلامي المتطرف.
وتواجه اليوم الحكومات العربية هذه المشكلة، ولا أعتقد أن المخابرات العربية ومؤسسات الدراسات الفكرية تخالفني الرأي فبعد سنوات من تراجع الإسلام السياسي ها هو قد عاد مجددا إلى الواجهة.
ويعد فوز الإخوان في الانتخابات الحكومية بالأردن مؤشرا واضحا على عودة التيار الإسلامي بشكل قوي للمرة الثانية في الألفية الحالية.
من المتوقع أن تتعرض بعض الدول العربية لاضطرابات جديدة، إضافة إلى المزيد من الأعمال الإرهابية في أوروبا وحتى في الدول العربية خصوصا تلك التي تستهدف السياح والأجانب والسفارات الأجنبية.