لا يعد روبرت مردوخ، إمبراطور الإعلام العالمي، مجرد رجل أعمال تقليدي، بل يمكن وصفه على انه مهندس بارع في تشكيل السرد الإعلامي وصناعة الرأي العام.
تنطلق فلسفته من مبدأ أساسي: الإعلام ليس مجرد ناقل للمعلومات والأخبار بل مشارك نشيط في إعادة صناعتها بشكل الذي يثير اهتمام القراء والمشاهدين ويجذبهم.
كانت وسائل الإعلام قبل عصر مردوخ تعتمد على الحياد ونقل الأخبار دون أن تبدي رأيها في ذلك، وكانت العناوين مملة ومكررة وبعضها فقط مثير لكن لم تكن الإثارة إلا استثناء.
الإعلام كإمبراطورية متعددة الأذرع
رأى مردوخ أن الإعلام يجب أن يكون شاملًا ومتنوعًا، لذلك، بنى إمبراطوريته على امتلاك وسائل إعلامية متعددة الأنواع، من الصحف والتلفزيون إلى المنصات الرقمية.
ركز على توفير محتوى يناسب كل شريحة من الجمهور، مما مكّنه من الوصول إلى قطاعات مختلفة من المجتمع، هذا النهج جعله قادرًا على خلق تأثير واسع النطاق، حيث يمكنه توجيه الرأي العام بشكل متكامل عبر مختلف الوسائط.
منذ بداية مشواره من أستراليا اعتمد رجل الأعمال وابن العائلة الإعلامية التي كانت ناشئة حينها توفي والده، على الإستحواذ على الصحف المشهورة وتغيير خطها التحريري إلى الإثارة لزيادة المبيعات.
في زمن الصحافة المكتوبة بالجرائد استطاع أن يغير القواعد ثم توسع إلى التلفزيون ومن ثم البرامج الرقمية، وقد فضل أن يكون له مجموعة من الصحف والمجلات والقنوات على أن يقف خلف وسيلة إعلامية واحدة فقط.
رائد الصحافة الصفراء
من أبرز ملامح فلسفة مردوخ هو تقديم الإعلام بصيغة مثيرة بدلًا من الحياد الجاف. كان يعتقد أن الجمهور لا يبحث فقط عن الحقائق، بل عن الإثارة والدراما.
لذا، سعى إلى توجيه محتوى مؤسساته الإعلامية ليكون جذابًا ومثيرًا للجدل، مما يضمن بقاء الجمهور مشدودًا ومستعدًا للعودة دائمًا للحصول على المزيد.
هذا التوجه لم يكن عشوائيًا، بل استراتيجية واعية تهدف إلى تعظيم التأثير وزيادة الإيرادات من خلال تضخيم مبيعات الصحف والمجلات التي تعتمد هذا الخط التحريري.
منذ بداياته، أدرك مردوخ الإمكانات التجارية الكبيرة للصحافة الصفراء، حيث بدأ بشراء صحف شهيرة معروفة بإثارة الجدل ولعل أبرزها The Sun في بريطانيا و The New York Post في الولايات المتحدة.
النهج التحريري في الصحافة الصفراء
اعتمد مردوخ هذه الصحف على نهج تحرير يعتمد على:
- العناوين الصادمة: التي تجذب الانتباه حتى لو كانت على حساب الدقة.
- القصص الشخصية والفضائح: من المشاهير والسياسيين، مما يضمن بقاء الصحيفة محور حديث المجتمع.
- الإثارة البصرية: مثل الصور الجريئة التي كانت تُستخدم كجزء من استراتيجية الجذب البصري.
- تحيز واضح: سواء سياسيًا أو اجتماعيًا، لجذب قاعدة جماهيرية محددة، وتعزيز الولاء لهذه الصحف.
أهم درس من روبرت مردوخ لصناع الإعلام
يعلمنا قطب الإعلام الشهير الملياردير روبرت مردوخ أن نقدم للجمهور ما يريدون سماعه، لا يثقون بالحكومات ويشككون في التغير المناخي؟ لهذا أنشأ فوكس نيوز الشعبوية.
متعطشون لفضائح السياسيين والمشاهير؟ لهذا استحوذ على The Sun وأنشأ سلسلة من الصحف الصفراء، يفضلون نظريات المؤامرة؟ لهذا أنشأت شبكته مسلسل The Simpsons وتتبنى فوكس نيوز المؤامرة.
مهمتنا حسب فلسفة روبرت مردوخ هي أن نقدم للقطيع ما يؤكد صحة أوهامهم وأكاذيبهم ومعتقداتهم الفاسدة، إذا قدمنا الحقيقة وحاولنا هدم أوهامهم سنخسرهم ببساطة.
لا يريد القراء والجمهور الحقيقة والدليل على ذلك أن المنابر الإعلامية التي تنشر الآراء غير الشعبية لا تحظى بشهرة واسعة ولا يتابعها سوى جمهور محدود في نهاية المطاف.
هذا هو الواقع في كل دول العالم، بالولايات المتحدة يتبنى الإعلام الأشهر حاليا لغة دونالد ترامب والشعبوية التي يمثلها، الإعلام الذي يدافع عن اليساريين تضررت مشاهداته وشعبيته، ولا ينبغي أن تتفاجأ لأن فوكس نيوز تدعم الرئيس المنتخب بعد أن تجاهلته في الانتخابات السابقة التي خسرها ترامب أمام بايدن لأن الشعب الأمريكي كان مستاء من سياسات الرئيس في كورونا.
عربيا شبكة الجزيرة تتصدر المشاهدات والأرقام لأنها تتبنى خطابا شعبويا عربيا وتضع القارئ والمتابع في عالم من الانتصارات الوهمية والتي يريد الجمهور أن تحصل على أرض الواقع، في المقابل نجد أن شعبية قنوات أخرى لا تتبع النهج نفسه أقل.
الربح فوق المصداقية
تحت قيادة مردوخ، أصبحت الصحافة الصفراء ليست مجرد وسيلة لجذب القراء، بل أيضًا أداة لكسب عوائد ضخمة من الإعلانات ومبيعات الصحف.
تركيزه على الأخبار المثيرة جذب شريحة واسعة من الجمهور، مما جعل هذه الصحف محط اهتمام المعلنين الذين يبحثون عن الوصول إلى جماهير كبيرة.
وبالطبع لهذا السبب تعرض مردوخ لانتقادات لاذعة بسبب اعتماده على الصحافة الصفراء، حيث اتُهم بإفساد قيم الصحافة الجادة، وتحويل الأخبار إلى “منتج استهلاكي”، يركز على الفضائح بدلاً من الحقائق.
واحدة من أكبر الفضائح التي طالت إمبراطوريته الإعلامية، حيث تم الكشف عن تورط صحف مثل News of the World في التنصت على هواتف شخصيات عامة وأفراد عاديين للحصول على أخبار حصرية.