لماذا تعرضت شبه الجزيرة العربية للمجاعة وانتشر الطاعون في الشام والعراق بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؟ لماذا وهو رجل صالح وعادل، وقد من الله عليهم بفتح فارس والعراق والشام ومصر؟
أسئلة لم يتطرق إليها المؤرخون وافترض الكثير من العلماء أن ما حصل قدر وانتهى وهناك دروس مستفادة من القضية، ولا داعي للبحث في التفاصيل كثيرا.
لكن كباحث في الأزمات الاقتصادية والمجاعات وشخص يسعى لفهم هذه الظواهر، هناك أسباب ظاهرة ومعروفة لحدوث ذلك، وهناك أسباب روحية وغيبية لا يعترف بها عادة الماديون.
ويبدو أنني وجدت سببا مقنعا لتسلط مصيبة الوباء على الشام ومصيبة المجاعة على شبه الجزيرة العربية، في نفس الفترة الزمنية تقريبا التي أطلق عليها عام الرمادة.
-
العجب بالنفس آفة تهدد الناجحين
بعد أن فتح المسلمون فارس والعراق والشام ومصر وتحققت وعود الله ورسوله، نظر العرب إلى أنفسهم بالكثير من الإعجاب، ورأى الكثير من عامتهم أنهم أفضل أمة أخرجت للناس، وأنه لا أحد في الكون سيوقف زحفهم، فقد نصرهم الله وحصلوا على تأييده.
قال القرطبي: “إعجاب المرء بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم”.
ولأن الصحابي خالد بن الوليد من أفضل قادة الجيوش حينها وهزم كافة الخصوم الذين واجههم، فقد أعجب به المسلمون وذهب البعض لنسب انتصارات المسلمين له، لجهوده الكبيرة وتدبيره وذكائه في ساحات المعارك.
وهذا ما حذر منه عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أبو بكر، حيث نصحه بتجنب الاعتماد الدائم عليه، فالنصر من الله وصحيح أن القائد يشكل فرقا، لكنه ليس العلامة الحاسمة في المعارك دائما.
والحقيقة أن اعجاب المرء بنفسه هو سلوك سيء لا ينصح به، حتى في عالم ريادة الأعمال والقيادة، ويجب أن نسب النجاح إلى الله عز وجل أولا ومن ثم إلى الجماعة.
-
عاتب الله المسلمين على اعجابهم بأنفسهم
يذكرنا اعجاب المسلمين بكثرتهم وانتصاراتهم بما حدث في معركة حنين، حيث قال الله تعالى: ” لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍۢ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ”.
لقد تضمنت الآية عتابا ضمنيا للمسلمين لأنهم عندما قابلوا جيش المشركين، كان عددهم 12000 مسلما مقابل 4000 من الكفار، فقال أغلبهم، اليوم نحن الغلبة لنا لأننا كثيرون.
وقد سقط المسلمون في فخ العجب بالنفس والنبي بينهم، فما بالك بعد وفاته وتحقق نصر الله بفتح بقاع الأرض شرقا وغربا؟
هذا العجب بالنفس لا يحبه الله، فهو نفس سلوك ابليس الذي يعرف الحق فعلا ومؤمن بالله، لكن تماديه في العجب بالنفس جعله يظن أنه أفضل من آدم، ولهذا رفض السجود له.
-
المجاعة وطاعون عام الرمادة في ميزان العدل
ما يحل بالإنسان من شر وخير هو العدل، وهناك سبب وراء كل شيء، ولا يمكننا الإعتراض على الله ولومه إذ نحن لا نرى سوى الظاهر وليس لنا علم بالغيبيات.
لكن المطلوب من الإنسان أن يتأمل في حاله وحال الأمم السابقة، وسيجد أن هناك أسباب وعلل لما حدث ويحدث وسيحدث.
جاءت المجاعة ومعها الطاعون في عام الرمادة لتذكر المسلمين بضرورة التواضع ولإنهاء العجب بأنفسهم، وليقول الله لهم، أن انتصاراتهم المتتالية لم تحصل بفضل كثرتهم ولا بقيادة خالد بن الوليد للجيوش ولا بإيمانهم، بل بفضله عز وجل.
جاءت المجاعة لتذكر الإنسان أنه مهما تطور وتقدم وحصل على الأراضي الخصبة فمن السهل على الله بين ليلة وضحاها، أن يأخذ كل النعم.
لقد أرسل الله المجاعة إلى شبه الجزيرة العربية والطاعون إلى الشام والعراق، ليبين أنه لديه جنودا أقوى، فإذا كنت قويا على البشر ولديك النفوذ والمال ومعك كل الناس، فبدون دعم الله تبقى انسانا ضعيفا لا حول لك ولا قوة.
إقرأ أيضا:
طاعون عمواس وأزمة عام الرمادة في عهد عمر بن الخطاب
الوباء تمهيد لما هو أعظم … المجاعة
المجاعة: كل شيء عن الأزمة الإقتصادية الأعظم
مقالة رائعة
تشكر عليها