الخوف من التجسس على أنشطتنا في الحواسيب و الأجهزة من الشركات المطورة لها هو أمر طبيعي للغاية و يصبح بالنسبة للمؤسسات و الحكومات و الجهات المختلفة خطرا وجوديا، إذ لا أحد يضمن إلى أين تذهب معلوماتنا التي تجمعها الشركات المطورة لأنظمة التشغيل التي نستخدمها.
لكن المضحك بالفعل هي فئة عريضة من المستخدمين تعتقد أن هذا الأمر غير معمول به في نظام أندرويد من جوجل أو اي او اس من آبل الذي يعمل به آيفون و آيباد أو في بقية الأنظمة الأخرى و أن هذا الأمر خاص فقط بنظام ويندوز 10.
مايكروسوفت قررت أن تكون صريحة هذه المرة مع مستخدميها و أكدت في اتفاقية ويندوز 10 أنها تجمع معلومات عن المستخدمين لاستغلالها في تحسين تجربتهم لهذا النظام و عرض الإعلانات الملائمة لهم، لكن ماذا لو قررت أن تلتزم الصمت و تبقي الأمر سريا؟
أنا متأكد أنه عند اكتشافك للأمر ستغضب جدا و ستشعر بالعار أيضا، هذا هو شعور أي شخص يظن أن العمل على هاتف ذكي متصل بالإنترنت هو معزول عن العالم، و أن الشركات لا تجمع أية معلومات عنه و هو نفس شعور المدافعين عن “الخصوصية على الويب” عندما يكتشفون أن مزودهم بالانترنت يملك سجلا بكل زياراتهم و تحركاتهم و أن فيس بوك و واتساب و تطبيقات الدردشة تملك على خوادمها نسخا احتياطية من المحادثات و هي التي تنفي ذلك باستمرار!
و لا تستغرب فالمتصفحات نفسها قد تستغل اتصالها الدائم بخوادم الشركة المطورة لها تحث تبرير “التحقق من تحديثات جديدة” لتجمع معلومات عن زيارات المستخدمين و تصنيفها إلى الأكثر زيارة حسب كل بلد و حسب كل فئة عمرية و البقية أظن أنك تعرفها جيدا.
على يوتيوب يمكنك أن تعطل سجل المشاهدات الخاص بك، لكن لا يمكنك أن تشاهد فيديو معين و لا يحتسب على أنه مشاهدة ما يعني أن المنصة لا تزال تقتفي أثرك و تسجل بالفعل كل ما تشاهده و تسمعه كي يكون لدى جوجل خريطة بيانات حيوية تتضمن الأكثر مشاهدة في بلد معين و ما هي ميولات فئة معينة من الناس و هكذا، أظن أن الصفحة الرئيسية من يوتيوب تكفي لتعرف هذه الحقيقة، فهو ينصحك بفيديوهات لها علاقة بما قمت بمشاهدته مؤخرا هذا دون أن نتكلم عن “الشائع حاليا” إذ أنه نتاج لعملية جمع المعلومات عن أنشطة المستخدمين و بناء عليها يتم تطوير الخدمة و قد تستخدم لأمور أخرى أنت لا تريد أن تعرفها، و بالتالي فحذف سجل المشاهدات ما هو إلا ميزة كي تشعر بأنك تسيطر على الوضع سطحيا فقط!
و بالمرور إلى جوجل نفسه و بينج و منافسهما ياهو، قد تمسح سجل البحث و تعطله نهائيا لكن هل تعتقد أن عمليات البحث التي تقوم بها غير مسجلة؟ إن كنت تعتقد ذلك فأنت مستخدم سطحي عادة ما تخدعك المظاهر، و في الواقع أنت لا تعرف أن محركات البحث تعرف جيدا ما الذي تبحث عنه؟ و ما هي النتائج التي قمت بالنقر عليها؟ و كم استغرقت في كل صفحة قررت الدخول إليها من نتائج البحث!
أما على فيس بوك و جوجل بلس و تويتر و كل الشبكات الاجتماعية و تطبيقات الدردشة، الخصوصية ما هي إلا عبارة دعائية لإقناعك باستخدام تلك الخدمات، و أنها بالكاد لا تتجسس على أنشطتك، فهل تصدق كلامهم؟
إن كنت مخدوعا بهذه الدعايات فدعني أخبرك أن الاعجابات و التعليقات و التفاعلات التي تقوم بها كلها مسجلة و يتم استغلالها لإظهار منشورات و محتويات تهمك، سواء من نفس الصفحات و الأشخاص الذين تتابعهم أو منشورات تشبه ما تفاعلت معه سابقا و التفاعل لم يعد “اعجاب – تعليق – مشاركة”، الأمر أصبح متطورا و يتعلق مؤخرا “بمدة قراءة المنشور”، لا ننسى أن عمليات البحث على الصفحات و الأشخاص مسجلة و يمكنك مسح سجل البحث و يمكنك حذف كل المحادثات لكن ما لا تعرفه أنها لا تزال حية في خوادم تلك الشركات لبعض الوقت و ربما لكل الوقت، بالتالي تظل حذف المحادثات و سجلات البحث مجرد إجراء لطمأنتك على أن الوضع تحث سيطرتك!
ليس هذا فقط ما تجمعه عليك الشركات لعرض الإعلانات الملائمة و اقتراح المحتويات التي تناسب اهتماماتك، فهناك الكثير من المعلومات التي تستخدم لهذا الغرض و لا تظن أن استخدام AdBlock و اضافات منع الإعلانات أو مضادات الفيروسات و التجسس سينفعك، أنت واهم مرة أخرى إذا كنت تظن ذلك!
نجاح AdBlock: نهاية يوتيوب المجاني و انتشار المواقع المدفوعة
أمازون و ايباي مع الكثير من المتاجر الالكترونية العالمية و المحلية تخزن سجلا بمشترياتك و لا يمكنك حذفه و سيظل موجودا لديهم، هم يريدون ذلك لمعرفة قائمة أهم العملاء و استخراج معلومات كثيرة مهمة لأعمالهم، منها المنتجات الأكثر مباعا حسب البدان و المدن و الفئات و ما الذي يشتريه فعلا الرجال أكثر من النساء و بالتالي تحسين متاجرهم لتكون أكثر جاذبية لتحقيق المبيعات.
باي بال و بايونير و كاش يو مع بنوك إلكترونية كثيرة تملك سجلات عن عملائها، تتضمن التعاملات المالية و حجم الأموال التي تم جنيها من أعمال الانترنت و من اشياء أخرى و أين تم صرفها و فيما أنفقت و على أي مدة زمنية؟ و متى بالضبط؟ كلها معلومات تنفعهم لمعرفة حجم التجارة الإلكترونية و المنتجات التي ينفق الناس لشراءها عبر الانترنت و أي المتاجر تحظى باهتمام الأغلبية؟ إذا كنت تظن أن تعيين كلمة مرور جد قوية لحسابك يحميك من كشف التعاملات المالية فأنت واهم، إدارة هذه المواقع ليست بحاجة إلى كلمة مرور حسابك فهي تملك القدرة و التصريح على ذلك دون أن تطلب منك كلمة المرور.
بالإنتقال إلى الهواتف الذكية و اللوحيات، يمكنني القول أن جميعها باختلاف أنظمة التشغيل بدءا من آيفون و آيباد و انتهاء بويندوز فون مرورا بالأندرويد كل الشركات المطورة لتلك الأنظمة تجمع المعلومات.
هي تجمع جهات اتصالاتك و تعرف بالفعل مع من تتكلم و من هم أصدقائك و تربط هذا بالتواصل معهم على الشبكات الإجتماعية، بل و تعرف التطبيقات التي قمت بتحميلها من متاجرها الرسمية جوجل بلاي و آبل ستور مع متجر ويندوز فون أو الوقت الذي تقضيه في كل تطبيق، و ما الذي تتناوله من محتويات على جهازك الذكي؟ بينما تعيين كلمة مرور لهاتفك أو حتى منع الولوج إليه دون بصمتك بالنسبة للهواتف و اللوحيات التي تدعم “كاشف البصمات” ما هي إلا إجراءات لمنع غيرك ممن هم حولك للوصول إلى معلوماتك، فيما لا شيء خصوصي مع الشركة المطورة لنظام تشغيله.
عندما تستخدم ساعتك الذكية أو هاتفك في غالب الأحيان لمشاركة المواقع الجغرافية للأماكن التي تزورها أو عند القيام برياضتك المفضلة تعمل الشبكات الاجتماعية التي تشارك عليها هذه المعلومات بجمعها عنك و قبل ذلك نظام التشغيل الذي يعمل به جهازك!
الأمر مقلق و ربما لم تكن تتوقع أن الخصوصية بدأت تختفي تدريجيا من حياتك الشخصية و الواقعية هي أيضا بعد أن أصبحث مرتبطا بالإنترنت في عملك و تواصلك، و إن كنت لا تصدق هذا أو لا يزال جزءا منك يرفض التسليم بهذه الحقيقة دعني أسألك سؤالا آخر: من أين تحصل الجهات الإعلامية و الصحافة على المعلومات التي تخص بميولات شعب معين على الإنترنت؟ و من أين تأتي الإحصائيات و الأرقام الخاصة بتعاملات الناس على الويب؟ هذه المعلومات التي تجمعها الشركات الكبرى توفرها لشركائها و هذا يعني مؤسسات “الدراسات” و الباحثين عن احصائيات خاصة بالأسواق لتقديم منتجات تناسبها أكثر و حتى الحكومات، كل هذه الأطراف تشتري هذه المعلومات و تصل إليها بالتنسيق مع هذه العلامات التجارية و أحيانا تفضل بعض الحكومات القيام بالأمر على نحو أسوأ و ذلك بالوصول إلى خوادم تلك الشركات و جلب المعلومات التي تريدها.
أضف إلى ما سبق أن تغيير الآي بي و استخدام vpn مجاني أو حتى مدفوع و الحيل المشابهة لا تنفع عندما تقرر حكومتك رصد أنشطتك و استكشاف تعاملاتك الشخصية و المالية على الويب خصوصا عندما تتورط في قضية “إرهاب”!
عمليات البحث على جوجل و محركات البحث و الخدمات، سجل مشاهدات الفيديوهات، المحادثات، اهتماماتك، تنقلاتك في واقعك المعاش، لياقتك البدنية، وجهات نظرك، حساباتك، علاقاتك، بالطبع أموالك في البنوك الالكترونية …كلها معروفة لدى الشركات العالمية بعضها لتحسين تجربة المستخدم و البقية تتكدس في خوادمهم و يتم تبادلها مع شركائهم عند الحاجة.
فلماذا الخوف على شيء غير موجود أصلا؟ على الخصوصية التي تظل “وهما” في الويب و الحياة الافتراضية.