مرت عقود على صدمة نيكسون، ولا يزال الملايين من الناس حول العالم يعتقدون أن العملات النقدية مقومة بالذهب، وأنه كلما امتلكت دولة احتياطات هائلة من المعدن النفيس كانت عملتها قوية!
البعض الآخر سمع بهذه الصدمة وقرأ كلاما متعلقا بها في منشورات ومواضيع الإنهيار المرتقب للنظام المالي، واعتقد أنها مجرد قصص مؤامرات وخزعبلات.
في كل 15 أغسطس من كل عام يجب أن يتذكر العالم صدمة نيكسون والتي وضعت نهاية لعصر العملات النقدية المقومة بالذهب وانتشار التعويم أو ربط العملات بالدولار وسلة العملات الرئيسية المعومة أساسا.
كي نفهم هذه الصدمة لابد وأن نكون على علم أولا بكيفية تحديد أسعار العملات وكيف تغير هذا إلى ما نحن عليه اليوم.
نظام الصرف بالذهب 1870 – 1913
في هذه الفترة من الزمن تعرضت دول العالم الثالث للإستعمار والغزو الأوروبي، وكانت عملاتها النقدية المعمول بها في كل دول العالم، ونتحدث عن الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني والمارك الألماني والبيزيتا الإسبانية وعملات الإمبراطوريات الاستعمارية الأخرى.
كل هذه الإمبراطوريات متفقة على نظام الصرف بالذهب، حيث كل عملة مقومة بما تملكه الدولة من المعدن النفيس.
في هذا الوقت كان من الممكن تحويل الذهب إلى العملة أو العكس ودون قيود، فيما كان يتم استيراد الذهب وتصديره بكل حرية وهو ما يتوافق مع السياسة الإستعمارية للدول التي تنهب الذهب من دول العالم الثالث.
انهار هذا النظام مع اندلاع الحرب العالمية الأولى واعادة تشكيل خريطة المستعمرات.
نظام بريتون وودز
بعد الحرب العالمية الأولى والثانية أصبحت أوروبا مدمرة بالكامل، فيما لم تعد الإمبراطوريات التقليدية قادرة على قيادة العالم نحو نظام عالمي مستقر وانشغلت الكثير منها بإعادة الإعمار.
في أواخر الحرب العالمية الثانية سطع شمس الولايات المتحدة الأمريكية والتي دخلت الحرب ونجحت في الإنتصار على اليابان واستعرضت من خلال إلقاء استخدام السلاح النووي مرتين تفوقها العسكري على بريطانيا وبقية القوى العالمية.
على مدار 22 يوما من شهر يوليوز تم عقد مؤتمر النقد الدولي ونتج عنه توقيع اتفاقية بريتون وودز بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي أسس لنظام صرف جديد يسمح لكافة الدول رفع أو تخفيض قيمة عملتها، وأن قيمة العملات يتم تحديدها بوزن ثابت من الذهب أو الدولار مع السماح بحدوث تقلبات في حدود 1 % صعوداً أو هبوطاً.
النظام الجديد يحافظ على أهمية الذهب، لكنه يجعل الدولار الأمريكي هي العملة الاحتياطية والرئيسية في العالم، وهو ما دفع البنوك المركزية حول العالم إلى الاحتفاظ بالدولار مع قدرتها على استبداله بالذهب من الولايات المتحدة.
تعهدت الولايات المتحدة بتوفير السيولة الكافية مقابل الذهب في العالم وتم تسعير الذهب بسعر ثابث وهو 35 دولار للأوقية.
استمر النظام منذ صيف عام 1944 وقد حافظ على استقرار العملات العالمية، لكنه فشل في ظل تسارع نمو التجارة العالمية بينما نمو عرض الذهب كان أقل بكثير ونقارن بين 7 في المئة و 1.5 في المئة.
كما أن كمية الدولارات في المصارف الأجنبية يفوق حجم الذهب الموجود لدى الولايات المتحدة، بالتالي فهي لا تستطيع استبدال الدولارات بالذهب وهناك طباعة مستمرة لعملتها التي أغرقت بها العالم لتنخفض قيمتها ويرتفع التضخم في الولايات المتحدة.
نهاية عصر العملات المقومة بالذهب
في 15 أغسطس 1971 قرر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تعويم الدولار الأمريكي وايقاف عمليات تحويل الدولار إلى الذهب، وبالتالي تم منع الكثير من البنوك المركزية بما فيها البنك المركزي الفرنسي من استعادة الذهب وتحويل ما لديه من دولارات إلى الذهب.
منذ ذلك اليوم أصبح الدولار خاضعا لقوى الطلب والعرض وتدخلات البنك المركزي الأمريكي من خلال زيادة أسعار الفائدة أو تخفيضها.
كانت الولايات المتحدة في هذه الفترة غارقة في مستنقع الفيتنام حيث الحرب تكلفها المزيد من الأموال بينها احتياطاتها تنهار لهذا كان أساسيا بالنسبة لها أن تعمل على ايقاف النظام الذهبي لتعمل على طباعة الدولارات وتمول بها حربها.
وأعلن عن ذلك إلى جانب سلسلة من الإجراءات الأخرى التي أراد بها الرئيس الأمريكي ايقاف انهيار الدولار وارتفاع التضخم، ووعد بأن التعويم مجرد اجراء مؤقث.
لكنه وإلى الآن انتهى دور الذهب في تحديد قيمة العملات النقدية، حيث جاء رؤساء جدد وأبقوا الأمور على ما هي عليه دون تغيير يذكر.
سيظل 15 أغسطس 1971 يوما تاريخيا إذ شهد نهاية عصر ارتباط العملات النقدية بالذهب وبزوغ فجر التعويم وتحكم العرض والطلب وسعر الفائدة في قيمة العملات إلى يومنا هذا.
إقرأ أيضا
تعويم العملة أو سعر الصرف المرن هو المصير المشترك
صدمة نيكسون ونهاية عصر العملات المقومة بالذهب وحلول زمن التعويم
كيف يمكن حماية المال عند انهيار العملة المحلية؟
خطة تجنب خسائر تعويم الجنيه المصري دون الإضرار بالشركات والموظفين
طريق الجنيه المصري إلى سعر الصرف الحر
5 مشاكل يجب على البنك المركزي المصري حلها قبل 2025
ايجابيات وسلبيات تحرير سعر الصرف
مفهوم التعويم وأنواعه وفوائده وأضرار سعر الصرف المرن