تزدهر في سوريا صناعة مخدرات الكبتاجون التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات والتي يتم تصديرها إلى الأردن ودول الخليج العربي وتعد أيضا مصر والسودان وليبيا والعراق أسواقا لها بل يتم تصديرها إلى السنغال وغرب أفريقيا وكل هذا تحث اشراف دمشق.
حجم مخدرات الكبتاجون التي يتم احباطها والقادمة إلى تلك الأسواق من سوريا عبر دول طرف ثالث مثل لبنان والأردن، تؤكد أننا لا نتعامل هنا مع عصابات صغيرة أو حتى ضخمة، بل دولة تعمل على انتاج هذه المادة بقوة وتصدرها.
تشير تقديرات الحكومة البريطانية إلى أن 80 في المئة من إنتاج الكبتاجون في العالم يصدر من سوريا، ويصل ليس فقط إلى الأسواق العربية بل أيضا إلى اليونان وقبرص ورومانيا ودول أخرى بعيدة.
هناك عدد لا يحصى من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، وانتشار النزاعات والإفلات من العقاب يخلق تربة خصبة لإنتاج وتهريب الكبتاجون في الشرق الأوسط.
في عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول غربية أخرى الدفعة الأولى من العقوبات على النظام السوري لتعطيل وصوله إلى الأموال ووقف قمعه للمعارضة، على سبيل المثال حظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استيراد المنتجات البترولية السورية، والاستثمارات في سوريا من قبل أفراد أو كيانات، ثم عملت الجهات الدولية على تشديد العقوبات من أجل ردع النظام السوري.
لكن عوضا عن ذلك تلقت دمشق مساعدات ودعم من روسيا وايران وأيضا حزب الله اللبناني وذلك عسكريا، أما اقتصاديا وماليا فقد لجأ النظام السوري إلى مخدرات الكبتاجون.
يؤكد المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا، جويل ريبيرن، أن الإيرادات المتولدة من الكبتاجون تسمح للأسد بالبقاء في الحكم كما أنها تشكل مصدر دخل أيضا لحزب الله وعدد من حلفائه الآخرين.
وفقًا لتحقيق بقيادة نيويورك تايمز، فإن شقيق بشار الأسد، ماهر الأسد، هو الشخصية الرئيسية في هذه الصناعة التي تغرق الشرق الأوسط والعالم بمنتجها.
ماهر هو قائد جيش قوي وقد قام ببناء شبكة من رجال الأعمال في مجالات مختلفة من السجائر إلى الفولاذ وقد استمد قوته من السيطرة على الجيش وجزء كبير من قطاع الأعمال.
في عام 2021 وحده، بلغت صادرات الكبتاجون السورية 5.7 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بشكل كبير الصادرات منه لعام 2020 (3.5 مليار دولار).
لكن الحكومة البريطانية بناء على معلومات استخباراتية تعتقد أن صناعة هذه المخدرات في سوريا هي صناعة أكبر بكثير وتقدر قيمتها بحوالي 57 مليار دولار سنويا ما يجعلها أكبر من حجم اقتصاد الأردن الذي تبلغ قيمته 45 مليار دولار.
وعلى ما يبدو أن هذه الصناعة لا تحصل فقط في سوريا بل تم نقل تقنيات انتاج مخدرات الكبتاجون إلى لبنان حيث يقال أن حزب الله متورط في هذه التجارة ويحصل على تمويل لأنشطته من خلال هذه التجارة، وتلعب الدولة العربية الصغيرة أيضا منطقة عبور لهذه المخدرات إلى الخليج العربي.
ويتم شحن هذه المخدرات إلى دول الشرق الأوسط باتباع أحد الطرق الثلاثة: مباشرة من لبنان (البحر أو المطار)، مباشرة من سوريا (ميناء اللاذقية)، أو من عبر صحراء البادية.
تحول الأردن والعراق وحتى مصر والسودان إلى دول يمكنها أن تلعب دور الوسيط في هذه التجارة، وبدأت هذه المخدرات تصل أيضا إلى دول جنوب الصحراء في أفريقيا وخصوصا إلى السنغال وبعض دول غرب أفريقيا التي تتواجد بها جالية لبنانية قوية ولدى رجال الأعمال المقربين من حزب الله نفوذ وعلاقات تسهل ذلك.
تضررت في الفترة الماضية العلاقات اللبنانية الخليجية بسبب مخدرات الكبتاجون التي يتم اكتشافها كثيرا في شحنات السلع التي تأتي من لبنان إلى الخليج وهو ما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين الجانبين.
في هذا الوقت أصبحت الكبتاجون من أكثر المخدرات انتشارا في السعودية ودول الخليج، ويمكن للشباب الحصول على لوحة مكونة من عدة حبات منها بعشرين دولار للواحدة.
ورغم أن الأعراف الدينية تحظر تناول المخدرات إلا أن الشباب السعودي يتحول بسرعة إلى شباب مدمن ومنفتح على هذه المخدرات بحثا عن السعادة والإثارة القصوى.
وتعد هذه الصناعة التي تتصدرها سوريا حاليا في صلب المحادثات العربية السورية حيث تريد الدول العربية رفع الحصار على سوريا بشروط وأبرزها القضاء على هذه المخدرات ومنع تصديرها إلى الخليج العربي وتهريبها إلى الدول العربية الأخرى المتضررة من ذلك.
يعتبر الكبتاجون تهديدًا للأمن البشري، ولكنه أيضًا يمثل تهديدًا للأمن القومي، خاصة في الدول الأوروبية والأفريقية، والتي أصبح بعضها وجهات منتظمة لهذه المادة.
في عام 2018، صادرت السلطات اليونانية ما قيمته 100 مليون دولار من الكبتاجون والقنب، وكشف تحقيق عن وجود صلة بين المخدرات ونظام الأسد في سوريا.
في يوليو 2020، ضبطت الشرطة الإيطالية 14 طناً منه أي ما يعادل 84 مليون قرص، وفي الآونة الأخيرة اعترضت السلطات اللبنانية شحنة مخبأة من الشاي وزنها سبعة أطنان في اتجاه المملكة العربية السعودية عبر توغو.
تحولت ليبيا إلى منطقة عبور لهذه المادة خصوصا في ظل الرقابة الضعيفة والموقع الإستراتيجي سواء لأفريقيا أو حتى أوروبا.
عادة ما يتم شحن الكبتاجون من ميناء اللاذقية إلى المدن الساحلية الليبية مثل بنغازي وطبرق، ويتم التهريب بمنتجات تصنعها شركات قريبة من نظام الأسد، ومن خلال هذا البلد يتم تهريب كميات أكبر إلى مصر المجاورة ودول الساحل الأخرى، إلى جانب دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا.
ومع تزايد الإنتاج السوري من هذه المادة يزداد أيضا الطلب عليه وهو الملاحظ أكثر في دول الخليج مثل السعودية والكويت حيث القدرة الشرائية لهذا النوع من المخدرات موجودة.
ويبدو أيضا أن الكبتاجون قد تحول إلى ورقة مهمة في يد النظام السوري والتي تصب في صالحها في أي حوار سواء مع الدول العربية أو المجتمع الدولي.
إقرأ أيضا:
يجب أن تدعم الولايات المتحدة التطبيع العربي مع سوريا
شروط المغرب للموافقة على تطبيع العلاقات مع سوريا الأسد
أهمية تقارب الإمارات مع سوريا واحتمال انقلاب بشار الأسد على ايران
سوريا أولى بالدعم والمساعدة العربية من تركيا
نصرة الإسلام من تدمير سوريا إلى كأس العالم بقطر
هروب بوتين إلى سوريا أو هذه الدول بعد هزيمة روسيا في أوكرانيا
أوكرانيا مقبرة مكاسب انتصار روسيا في سوريا