
خفض البنك المركزي العراقي قيمة الدينار العراقي في ديسمبر 2020 وسط انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية، كرد فعل منطقي لاعتماد العراق الشديد على عائدات تصدير النفط.
كان تخفيض قيمة العملة بمثابة صدمة للشعب العراقي، واليوم يريد نفس الساسة الذين دافعوا عن تلك الخطوة عكس مسار الدينار العراقي لأن أسعار النفط المرتفعة تسمح بذلك.
على هذا النحو فإن الأمر حاليا ما هو إلا شعارات انتخابية، يستغلها الساسة خصوصا في المعارضة من أجل كسب الشعبية والأصوات، فهم يعرفون جيدا أن هناك مغالطات وراء إمكانية رفع قيمة الدينار العراقي أو أنهم يجعلون الطريقة التي تسير بها الأمور.
من غير المرجح أن يؤدي رفع قيمة الدينار العراقي إلى خفض أسعار المستهلك، ولن يؤدي إلا إلى إلحاق ضرر أكبر بالعراقيين، حتى لو ظلت أسعار النفط مرتفعة في الوقت الحالي.
ما مدى تأثير تخفيض قيمة الدينار العراقي على أسعار المستهلك؟
لقد أصبحت السلع بالفعل أكثر تكلفة منذ تخفيض قيمة الدينار في أواخر عام 2020، لكن ضعف الدينار العراقي بنسبة 23٪ كان حدثًا لمرة واحدة أدى بسرعة إلى رفع أسعار السلع المقيمة بالدولار الأمريكي بنفس النسبة تقريبًا.
أما الزيادات اللاحقة في الأسعار في الواقع فقد كانت جزءًا من ظاهرة عالمية، ويتعلق الأمور بارتفاع الأسعار في العالم كله والتي عان منها الجميع ولا يزال التضخم في تزايد.
ارتفعت أسعار الحبوب الرئيسية على مدى 12 شهرًا التالية بنحو 110٪ من حيث الدولار وحوالي 150٪ بالدينار العراقي، والفرق بينهما هو بسبب خفض قيمة الدينار العراقي في ديسمبر 2020 في خطوة منطقية.
هل يستطيع العراق رفع قيمة الدينار؟
يشير أولئك الذين يؤيدون رفع قيمة الدينار العراقي إلى أن أسعار النفط تجاوزت 100 دولار للبرميل، أي هي أعلى 4 مرات مقارنة بما كانت عليه في ربيع 2020.
هل يستطيع العراق رفع قيمة الدينار؟ الجواب ببساطة لا، لأن الرواتب والمعاشات ارتفعت وتكاليف الميزانية مقارنة بالعامين الماضيين تضخمت.
إذا عملت الحكومة العراقية على رفع قيمة الدينار العراقي فإن ذلك سيضغط مجددا على الإحتياطي النقدي، وسيصل إلى مستويات منخفضة حرجة في غضون سنوات قليلة فقط.
بحلول عام 2030، من المتوقع أن يصل عدد السكان إلى 50 مليونًا من 40 مليونًا اليوم، مما يضمن انخفاضًا مستدامًا في نصيب الفرد من الدخل القومي، حتى لو ظلت أسعار النفط مرتفعة.
تشكل الضغوط الديموغرافية أيضًا تحديًا هائلاً لسوق العمل، في الوقت الحالي توظف الحكومة حوالي 4 ملايين عراقي، أو 30٪ من القوة العاملة، ويدخل حوالي 400 ألف باحث عن عمل جديد إلى القوى العاملة كل عام.
بحلول عام 2030، سيقف الرقم فوق 550000 ومع استعداد 5 ملايين عراقي للانضمام إلى القوى العاملة بحلول عام 2030، لا تستطيع الحكومة الحفاظ على دورها الحالي.
والأسوأ أنه من المرجح أن ينتهي المطاف بمعظم الشباب العراقي في الاقتصاد غير الرسمي، وقد ترتفع البطالة بين الشباب والتي تقدر اليوم بحوالي 27٪ إلى أكثر من 40٪.
ايران وتركيا مستفيدتان من قوة الدينار العراقي
تأتي قوة الدينار على قدرة العراق للمنافسة في مجالات أخرى النفط الذي يبيعه بالدولار، فخلال السنوات الأخيرة أصبح العراق غارقا بالمنتجات الإيرانية والتركية، بينما منتجات العراق لا تجد لها قوة في السوق الإيرانية ونظيرته التركية.
في هذا الصدد نجد أن المزارعون العراقيون، الذين لا يحظون بفرصة المنافسة مع الواردات من إيران وتركيا، هم الأكثر تضرراً من قوة الدينار العراقي، ويعتبر القطاع الزراعي ثاني أكبر جهة توظيف بعد الحكومة، حيث يمثل 20٪ من جميع الوظائف.
إذا كانت الحكومة فعلا حريصة على تقدم العراق والإستفادة من ارتفاع أسعار النفط، يجب أن تحرر قيمة الدينار مقابل الدولار مستقبلا ولو بشكل تدريجي.
في هذا الوقت ينبغي توجيه المليارات من الدولارات التي يحققها هذا البلد للتحديث وتوفير فرص العمل وتنمية القطاع الخاص وتشجيع الشباب على بدء مشاريعهم والإستثمار بقوة في انتاج الطاقة المتجددة وإصلاح مشاكل الفلاحة وتقديم العون بشكل مباشر للفقراء.
أما الرفع من قيمة العملة المحلية، فهو مؤلم للقطاع الزراعي والقطاعات الأخرى التي تحتاج إلى التصدير والمنافسة في الأسواق الدولية.
ينبغي أن نؤكد على أن ارتفاع النفط ظاهرة لن تستمر طويلا، سيحدث الهبوط الكبير مجددا في غضون عامين، حيث تحاول الولايات المتحدة اغراق العالم بالنفط الصخري وبيع جزء مهم من احتياطي النفط الأمريكي.
إقرأ أيضا:
تصدير الغاز الإسرائيلي إلى لبنان والأردن ومصر وسوريا والعراق
جهود العراق لمكافحة التغير المناخي وعقلية النفط
ربط البحار الخمسة وتنمية سوريا والعراق
كل ما يجب معرفته عن مشروع الشام الجديد