قد تتساءل لماذا تتفق الحكومات والشعوب العربية على رفض تهجير الفلسطينيين؟ هل لأنهم يحبون هذا الشعب الشرق الأوسطي؟ هل هو لأجل القضية الفلسطينية؟
إذا كنت تصدق تلك الشعارات الرنانة والتي لجأت إليها قادة مصر والأردن والسعودية وغيرهم من القادة العرب وانجروا إلى الحرب الكلامية والإعلامية ضد دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو فأنت واهم.
من شأن تهجير مليوني فلسطيني إلى الأردن ومصر أن يؤدي إلى اضطرابات واسعة في البلدين، خصوصا إذا لم يكن هناك تعويض مالي بالمليارات من الدولارات سنويا من المجتمع الدولي لهما.
لقد هاجر حوالي 115 ألف فلسطيني من غزة إلى مصر ويقال أن كل فرد أو عائلة دفعت 9000 دولار للسلطات كي تحصل على الإقامة، ومن شأن فتح معبر رفح للشعب الفلسطيني أن يؤدي حسب تقديراتي إلى نزوج مليون فلسطيني وإقامة مخيماتهم في رفح المصرية وسيناء.
يبحث سكان غزة عن حياة أفضل، مأوى ومأكل ومشرب وعمل واستقرار وهذا حقهم المشروع، هل سيرفض هؤلاء الهجرة إلى مصر والأردن أو أي بلد أفضل من قطاعهم المنكوب؟ لا أظن أن الشعارات ستصمد أمام الواقع.
بالنسبة للسلطات المصرية والأردنية وغيرها من الحكومات العربية هم يعلمون أكثر مني ومنك عزيزي القارئ هذه الحقيقة، رغم ذلك يستخدمون أسلوب الشعبوية بالقول أن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه.
إذا كانوا متأكدين إلى هذا الحد فعلا لما لا يجربوا فتح المعابر للنزوح ونرى إن كان ستصدم فرضيتهم، ستكون صدمة بكل المقاييس لكل من صدق هذه الرواية غير الواقعية.
إن ما تفكر فيه الحكومات العربية هو أن من سينزح من الفلسطينيين إلى بلدانهم لن يعود وسيعيش في بلده الجديد وينشئ عائلة وسيستمر لنسله لأجيال وتصبح العودة منسية كما هو حال لمعظم الفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن وتشيلي وبقية الشتات الفلسطيني حول العالم.
لا تعاني مصر والأردن من معدلات الخصوبة الضعيفة كما أن الإقتصاد في البلدين غير مستعد لإضافة مليوني شخص إضافي، ما سيؤدي إلى اضطرابات وأضرار اقتصادية على الساكنة الأصلية، وهو ما قد يدفع الشعبين إلى الشارع وهذا أكثر ما يخشاه السيسي والملك عبد الله.
بالنسبة للسعودية لديها الإمكانيات لإضافة مليوني فلسطيني إلى شعبها، لكن المشكلة هي أن المملكة تعيش موجة من التوطين وتوظيف شبابها والتخلص من الإعتماد على العمالة الأجنبية، والأهم أن الفلسطينيين قد يجلبون معهم الكثير من المتطرفين الذين سيصبحون مشكلة للقيادة السعودية.
ماذا لو صنع هؤلاء السلاح وأصبحوا مثل الحوثي في السعودية؟ ماذا لو أصبحوا يهاجمون إسرائيل من الأراضي السعودية؟ هذا سيدخل المملكة في متاهات ومشاكل هي في غنى عنها.
لقد قدمت المملكة مليارات الدولارات لأجل الفلسطينيين رغم ذلك هي تتعرض ليل نهار في الشبكات الاجتماعية لهجمات ممنهجة من فئة تميل إلى حماس والإخوان المسلمين، وهؤلاء يشكلون تهديدا للأمن القومي السعودي.
كما أن فئة مهمة من الشعب السعودي قد مل من القضية الفلسطينية التي أصبحت مصدر ازعاج ومشاكل في الشرق الأوسط وهجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس جاء في الواقع لمنع التطبيع السعودي الإسرائيلي وضرب مشروع الممر التجاري الهندي الأوروبي الذي تشارك فيه السعودية والإمارات.
في مصر يخشى السيسي والقائمون في السلطة على كراسيهم لأن الشعب المصري يرفض تهجير مليوني من سكان غزة إلى سيناء أو بقية المناطق المصرية، وهو يعلم أن ذلك القرار مهما انعكس إيجابا على الاقتصاد المصري سيزيد من حدة الغضب ويعيد الإخوان والإسلاميين إلى الحكم.
في الأردن هناك أكثر من مليوني فلسطيني أصلا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة، والإقتصاد الأردني تضرر بسبب نزوح السوريين إليه في السنوات الماضية إلى جانب مشكلة الفلسطينيين.
لذا أي شخص يصدق غير هذه الوقائع هو يعيش في الوهم، يدرك القادة العرب الحقيقة تداعيات التهجير على الأمن القومي لبلدانهم ولهذا يرفضونه.