لا شك أن الفتوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية والتي تحرض فيها المسلمين على ايداع أموالهم في البنوك وتجميدها مقابل الحصول على الفائدة، جاءت لمواجهة الأزمة الإقتصادية المستمرة في هذا البلد.
من حق أي دولة وقادتها البحث عن حلول الأزمات التي تعاني منها والعمل على معالجتها، لكن ليس بإصدار فتاوى دينية تبيح واحدة من أكبر المحرمات في مختلف الأديان السماوية، الربا أو ما يسمى في الإقتصاد الحديث، سعر الفائدة.
تريد دار الإفتاء المصرية من المصريين ايداع أموالهم في البنوك والحصول على الفائدة البنكية، وتقول أن هذا الربح حلال وهو مثل أي استثمار آخر تحصل على أرباح بشكل منتظم.
-
وجهة نظر دار الإفتاء المصرية في الفائدة البنكية أو الربا
يبرر فقهاء الأزهر ودار الإفتاء المصرية تغير موقفهم بالقول أنه حصل بسبب قصر فهم الفائدة البنكية، والتشدد اتجاهها من قبل فقهاء وعلماء دين لعقود طويلة.
يقول أيضا هؤلاء أن الربا المذكور في القرآن يقصد بها الفائدة التي تحصل عليها عندما تقرض شخصا مبلغا ماليا ويعيده إليك ومعه زيادة محددة، وأن الحالة في مسألة البنوك مختلفة تماما.
يقول هؤلاء أيضا أن المبلغ الذي تضعه في البنك وتجمده تستخدمه المؤسسة المالية في الإستثمارات بمشاريع مختلفة، وأن ما يحصل عليه العميل الذي هو مستثمر ما هو إلا ربح مادي، والمسألة لا تختلف عن الإستثمار في مشاريع تجارية.
-
الفائدة البنكية هي الربا بعينها
عندما تضع مبلغا مجمدا في البنك الذي تتعامل لفترة معينة، فستمنحك هذه المؤسسة ربحا يسمى الفائدة، وتحدد أسعار الفائدة حسب القرار الذي يتخذه البنك المركزي بشكل دوري.
المبلغ المجمد في حسابك يتصرف فيه البنك من خلال تقديمه كقرض لأشخاص آخرين بحاجة إلى قروض، من الفائدة المفروضة عليه تحصل أنت على الفائدة الخاصة بك.
إذا كان البنك فعلا يستثمر في المشاريع التجارية ويتحصل الفائدة من أرباح تلك المشاريع؟ فلماذا تكون الفائدة محددة مسبقا؟ لماذا لا تكون هناك خسائر بحيث لا يحقق صاحب الوديعة أية أرباح خلال فترات محددة؟ من أين تأتي هذه الأرباح السريعة والمتنامية؟ أليس المغفل من يمنح نقوده لجهة معينة لتستثمرها في مشاريع تجارية لا يعرف ماهيتها وحقيقتها؟ من حق المستثمر ومن واجبه أن يعرف إلى أين تذهب استثماراته، أليس كذلك؟
-
خطوة لدعم الإقتصاد المصري من خلال توريطه في الفقاعات
يبدو أن المؤسسة الدينية تستخدم كواحدة من الأدوات السياسية في مصر، لهذا فقد جاءت هذه الفتوى في فترة تشهد فيها مصر أزمة اقتصادية واضحة.
حاليا هناك اقبال من المستثمرين الأجانب على الإستثمار في العقارات والأسهم والفرص الكبرى التي توفرها مصر لمن يملك العملة الصعبة ولمن يرى في الأزمات الإقتصادية فرصا عظيمة.
لكن هذا بالطبع غير كافي، إذ نحتاج إلى الحفاظ على استمرار الإصلاحات المالية والإقتصادية، ومساعدة الشعب المصري بشكل مباشر ومن خلال مبادرات لها نتائج واضحة.
للأسف عوض أن توجه المؤسسة الدينية المصريين نحو الإستثمار في مجالات معينة أو نحو سلوكيات من شأنها أن تساهم في رفع الجودة والنتائج وتحسين الإقتصاد المحلي، وجهتهم لوضع نقودهم في البنوك والتواكل على عائد مضمون يحصلون عليه ما دامت الودائع مجمدة وتحث تصرف تلك المؤسسات المالية.
قد تنجح المؤسسة الدينية في اقناع الملايين من المصريين بهذه الخطوة، لتحصل البنوك على سيولة أكبر وتسيطر أكثر على ثروات ومقدرات الشعب المصري، إلى هنا كل شيء منطقي، لكن ما يعد خطيرا أنه في هذه الحالة سيتزايد نشاط الإقتراض إذ ستقدم البنوك والمؤسسات المالية عروض اقتراض مغرية وعروض شراء العقارات بالتقسيط مع سعر الفائدة.
هل ستتوقف البنوك عند هذا الحد؟ بالتأكيد لا، فهي تبحث عن الربح وستقدم أفضل العروض التي تشجع الناس على الاقتراض لتتشكل فقاعة أخطر من الديون الخارجية، وهي الديون المحلية ومن المستهلكين والمواطنين.
النتيجة واضحة، عند حد معين ستنفجر الفقاعة، وستسقط آلاف العائلات في الإفلاس والفقر، وتسقط مؤسسات وشركات صغيرة وناشئة وتتبعها الشركات المتوسطة والسريعة النمو ليخسر الكثير من الناس وظائفهم، ويدخل البلد في أزمة اقتصادية خانقة لم يسبق لها مثيل.
نهاية المقال:
تأتي هذه الفتوى لإخراج مصر من الأزمة الإقتصادية الراهنة ليس نحو الرخاء كما هو متوقع، بل نحو العيش في كذبة فقاعة اقتصادية سريعا ما ستنفجر وتقضي على الجميع.