دعا الأردني خالد الأحمد عبر منشور على لينكدإن إلى إنشاء شبكات اجتماعية عربية، احتجاجًا منه على المنصات الغربية السائدة التي تحارب خطاب الكراهية الذي يمارسه العرب بكل فخر، وتضامنًا مع حالة المظلومية التي يتقنون لعب دورها.
تأتي دعوة المتخصص في بناء العلامات التجارية الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، وهو من أشهر شخصيات الويب العربي في السنوات الأخيرة.
عندما قررت أن أشارك برأيي في تعليقٍ بسيط، ذكّرته فيه بتجربة “باز العربية” (2016-2024) التي انتهت بفشلٍ ذريع بسبب قلة المستخدمين العرب وعزوفهم عن الانضمام إليها، لم يتردد خالد الأحمد لحظةً في حظري!
نعم، حظرني، لأنني تجرأت وخالفت القطيع الذين يمارسون المظلومية في التعليقات ويتخيلون أن هناك مؤامرة كونية ضدهم وهم في مؤخرة الأمم من حيث العلم وحتى الأخلاق.
أمة أصبح الإستبداد أسلوب حياتهم، لا يريدون سماع أي آراء مخالفة لما يؤمنون به، ثم يتساءلون بكل وقاحة: ما هو ذنبنا ولدنا في بلدان ديكتاتورية؟ لماذا يتعامل معنا الحكام كقطيع من العبيد؟
تجربة “باز العربية” ليست مجرد فكرة عابرة، بل درسٌ يجب أن يُحفر في ذاكرة كل من يتبجح بمثل هذه الشعارات، ترك مؤسسو المنصة رسالة وداع مؤثرة تكشف عمق المشكلة، قالوا فيها:
“هذه آخر رسالة تصلك منا، وهي بمثابة وداعٍ وامتنانٍ لكم، حلمنا في إطلاق أول منصة تواصل اجتماعي عربية، وبذلنا جهدًا هائلا على مدى سنوات ثماني دون كلل أو ملل لتحقيق هذه المهمة النبيلة. بذلنا الكثير ولكن تحقق القليل. قدمنا أفضل ما عندنا للمنصة تقنيًا وتحريريًا، نشرًا للنصوص والصور والفيديوهات وغرفًا صوتية ومجتمعات في فضاء عربي آمن، لكن أكثرية الجمهور فضلت أن تبقى على ما اعتادته من منصات رغم هجائها الدائم لها على محاربتها المحتوى العربي سيما ما خص القضية الفلسطينية وغياب المرجعية الأخلاقية لها. لا يمكننا الاستمرار بعدد محدود من المستخدمين، في ظل تضاعف المتطلبات والخدمات. حققنا إنجازًا تقنيًا بقدراتٍ عربية، ودخلنا بحماسٍ سوق منافسة صعب يتطلب قدرات مالية ننوء بها، وجمهورًا فضّل أن يبقى على ما اعتاد عليه. نشكركم على مشاركتنا المغامرة وشرف المحاولة، ما يعزينا أن المشروع جدير بالتضحية التي رافقت مغامرتنا، وقدمنا شهادةً للتاريخ أن عربًا حاولوا بناء منصةِ تواصل عربية، لكنهم خُذلوا.”
هذه الرسالة ليست مجرد وداع، بل وثيقة تاريخية تثبت أن الفشل لم يكن تقنيًا أو ماليًا، بل كان نتيجة عقلية جماعية ترفض التغيير وتتمسك بما هو مألوف، حتى لو كان سيئًا، ومع ذلك، يأتي خالد الأحمد ليبيعنا نفس الحلم الفاشل، ويحظر من يذكّره بالحقيقة! أليس هذا الاستبداد بعينه؟
الاستبداد ليس مجرد نظام سياسي عند العرب والمستعربين، بل أسلوب حياة متجذر في تفاصيل سلوكهم، من المنتديات القديمة التي كان المشرفون فيها يحظرون كل من يخالفهم الرأي ويحذفون المواضيع تحث ذريعة أنها مخالفة، إلى منصات التواصل الحديثة التي يحلمون ببنائها، لا شيء يتغير.
الديكتاتورية السياسية التي يعانون منها ليست سوى مرآة تعكس حقيقتهم: شعوب لا تقبل النقد، وترى في المخالف عدوًا يجب إسكاته، خالد الأحمد هو نموذج حي لهذه العقلية؛ يدعو إلى “حرية” لكنه يمارس الاستبداد بأول اختبار حقيقي.
لو نجح العرب يومًا في بناء منصة تواصل خاصة بهم، فستكون نسخة مشوهة من المنتديات القديمة: حظرٌ لأي شخص يغرد خارج السرب، وإدارة متسلطة، وجمهور مطبل يلعب دور المظلومية.. الخانعين ببغاوات وبرمجيات مكررة!
لن تختلف تختلف لأن العقلية لم تتغير، فكيف يمكن لمن يحظر تعليقًا بسيطًا أن يبني فضاءً حرًا؟ الحرية عندهم شعار يُرفع، لكنها في القلب والعقل غائبة تمامًا.
ستفشل أي شبكة اجتماعية عربية لأنها ستكون مبنية على قيم المحافظين الذين يؤيدون الرقابة ويحاولون لعب دور الأوصياء على المجتمع.. حراس الخرافة وداعمي أخلاق العبيد.