المتابع لمسألة التغير المناخي يدرك أن المناخ العالمي يشهد تغيرات غير معهودة منذ عقود وهذا بسبب ارتفاع التلوث واستنزاف موارد الأرض.
ومن يعيش في المملكة العربية السعودية يدرك جيدا أن هناك تغير في سلوكيات المناخ، فالشتاء القارس بدأ يجد طريقه إلى المملكة، كما ان التساقطات المطرية تتزايد سنويا، وهناك سيول جارفة من وقت لآخر وبمعدلات أكبر عاما بعد عام.
وضع صحراء شبه الجزيرة العربية يتغير بسرعة، ويبدو أن القيادة في السعودية قد أدركت أن التغير المناخي حاضر بقوة ويجب معالجته ولما لا الإستفادة منه؟
تستمر مشاريع رؤية 2030، وقد أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عن مبادرة السعودية الخضراء والتي لا يمكننا التغافل عنها، لأنها لا تغير السعودية لوحدها بل وضع شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط.
حلم السعودية الخضراء مروج وأنهار:
التاريخ القديم يخبرنا أن الجزيرة العربية كانت بالفعل مروجا وأنهارا وشهدت قرونا باردة للغاية، قبل أن تذوب الثلوج ويأتي الجفاف الشديد وتظهر الصحراء مع انهيار الغطاء النباتي.
والتاريخ يعيد نفسه، لذا فما حدث في الماضي يمكن أن يحدث مجددا، ومرة أخرى من بوابة التغير المناخي وتغير سلوكيات المناخ العالمي.
رغم نعمة الصحاري الغنية بالنفط والغاز، إلا أن الوقت قد حان لتحن شعوب المنطقة إلى عصر الثلوج وهطول الأمطار والغطاء النباتي الكثيف، خصوصا وأن الذهب الأسود يعيش آخر سنواته، والعالم يتجه نحو الطاقات النظيفة والمتجددة.
لا يجعل هذا الحلم السعودية خضراء فحسب لكنه يؤمن الأمن الغذائي لتلك الشعوب التي تعتمد في طعامها على الواردات من أمريكا اللاتينية وافريقيا وأوروبا.
ولا شك أن ظاهرة الإحترار العالمي هي أكبر مهدد لهذا الحلم، لذا فإن توفير كثافة عالية من الغطاء النباتي يمكن أن ينقص من درجة الحرارة ويغير أيضا المعادلة برمتها.
تزحف الصحراء عادة في ظل غياب الغطاء النباتي أو دماره، بينما يتوقف زحفها أمام الغطاء النباتي الجيد والمتنامي، إنها معركة الصحراء والغابات على مر العصور.
مبادرة السعودية الخضراء:
أعلن ولي العهد السعودي عن مبادرة السعودية الخضراء، وهي مبادرة وطنية تستهدف في المقام الأول المملكة، وهي المبادرة التي تتضمن زراعة 10 مليارات شجرة في المملكة لوحدها.
ستأخذ العملية عقودا من العمل من خلال الزراعة والعمل على نشر هذه الأشجار بالمدن الكبرى وتوفير المساحات الخضراء حتى بخارج المدن.
تتضمن العملية أيضا إعادة تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وهو ما يسمح بزيادة الغطاء النباتي بأكثر من 12 مرة على الأقل.
اصلاح الأراضي سيسمح بالزراعة وتنمية الإنتاج المحلي من الخضروات والتمور والعمل على تطوير فلاحة محلية صاعدة في المملكة.
بهذا ستتمكن السعودية من تحقيق 4% من المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و 1% من المخطط العالمي لزراعة تريليون شجرة.
سترفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضي المملكة التي تقدر بـ 600 ألف كيلومتر مربع، وهو أكثر من المستهدف العالمي البالغ 17%.
وتطمح السعودية إلى رفع اعتمادها على الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 50% بحلول 2030 وتقليل الإنبعاثات الكربونية بأكثر من 4% عالميا.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر:
لا يمكن محاصرة الصحراء في السعودية دون أن يحدث ذلك في بقية دول الخليج العربي وكذلك العراق ودول الشرق الأوسط القريبة منها.
تشمل هذه المبادرة التعاون مع مختلف تلك الدول لزيادة حجم الغطاء النباتي إضافة إلى الحفاظ على الحياة البحرية ومكافحة التلوث.
الهدف الأبرز هو أن المنطقة ستشهد خلال العقود القادمة زراعة 50 مليار شجرة إضافية منها 10 مليارات شجرة في السعودية لوحدها.
يعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة مما يمثل 5% من الهدف العالمي لزراعة 1 تريليون شجرة ويحقق تخفيض بنسبة 2.5% من معدلات الكربون العالمية، إنه أكبر برنامج تشجير في العالم اليوم.
اختفاء صحراء شبه الجزيرة العربية:
إذا نجحت المبادرتين في الواقع إضافة إلى استمرار التغير المناخي لصالح المنطقة من خلال هطول الأمطار بشكل كميات أكبر وتساقط الثلوج فمن المحتمل أن نرى تحولا كبيرا ومهما يحدث في العقود القادمة.
نتحدث عن اختفاء صحراء شبه الجزيرة العربية أو على الأقل تراجع مساحتها أمام تمدد المساحات الخضراء والمروج وعودة الأنهار.
ويؤمن الكثير من المسلمين بالحديث النبوي الذي يتنبأ فيه النبي محمد بعودة المروج والأنهار إلى شبه الجزيرة (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا، وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق وحتى يكثر الهرج).
وعلى ما يبدو فإن المبادرتين السعوديتين سيكون لهما مساهمة جيدة في تحقيق ذلك.
إقرأ أيضا:
كل شيء عن أزمة المناخ العالمي أو خطر التغير المناخي
التخلي عن النفط مفتاح حل أزمة المناخ والتغير المناخي
مدينة ذا لاين في نيوم السعودية نموذج للمدن الصديقة للأرض
استراتيجية مدينة الرياض في السعودية ومنافسة دبي