منذ اللحظة الأولى للإعلان عن اتفاق إيقاف إطلاق النار في غزة، بدأت الشعوب العربية في الرقص على جثث القتلى في هذه الحرب والتي تعدى عددها 50 ألفا والكثير منها لا تزال تحث الأنقاض.
السبب وراء الرقص ليس إيقاف الحرب، بل انتصارا قد تحقق حسب زعمهم لم نجد له أي معالم على أرض الواقع، إذ أن القطاع خسر استقلاليته عن إسرائيل ودمر وانخفض عدد السكان بحوالي 6%.
لم تحرر حماس الأقصى الذي كان الهدف الأول في طوفان الأقصى، ولم تتحقق الإبادة لليهود (فلسطين من النهر إلى البحر) وهو شعار خامنئي الذي يردده المتأثرين بالفكر الإيراني التوسعي الذي يستخدم القضية الفلسطينية لمآربه الخاصة.
كما قلنا سابقا فإن ما جلبته حماس على غزة هي النكبة، وضعت أهدافا واضحة لهجومها على المواطنين والسياح في المستوطنات الموجودة بغلاف غزة، وذلك لتحرير القدس لاحقا، لكن ما حصل كان عكس طموحاتها.
إن خطة وقف إطلاق النار الحالية تشبه إلى حد كبير الخطة التي أعلن عنها بايدن في مايو الماضي، وقد قبلتها حماس وإسرائيل وهي تتضمن 3 مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: ستفرج حماس عن 33 رهينة، وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن عدد كبير من السجناء الفلسطينيين، بالإضافة إلى ذلك، ستسمح إسرائيل لسكان غزة بالعودة إلى الشمال، في حين سيبدأ جيشها بالانسحاب تدريجيًا.
المرحلة الثانية: لا تزال التفاصيل الرئيسية لهذه المرحلة قيد المناقشة، لكن النقاط الرئيسية تشمل إطلاق حماس سراح الرهائن المتبقين وإطلاق إسرائيل سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين، وسيتم إنشاء منطقة عازلة عند ممر فيلادلفيا، وسيُسمح للمساعدات الإنسانية بدخول غزة.
المرحلة الثالثة: ستبدأ إعادة إعمار غزة، وستُفتح حدودها، كما سيتم تسليم أي رفات رهائن متوفين إلى إسرائيل.
غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خرج بتصريحات واضحة مساء اليوم السبت وقبل ساعات من بدء الهدنة بتصريحات توضح بعض الحقائق التي لا ينبغي تجاهلها.
فقد قال: “نحتفظ بحقنا في العودة إلى القتال إذا لزم الأمر وذلك بدعم من الولايات المتحدة”، مضيفاً: “سنزيد قواتنا في محور فيلادلفيا (صلاح الدين) والمنطقة العازلة في غلاف غزة”، مكرراً أن احتفاظه بمحور فيلادلفيا يعني أنه سيزيد قواته هناك “على عكس ما يقال”.
أوضح نتنياهو أن حماس لم تقدم حتى الساعة السابعة و23 دقيقة مساء أسماء الرهائن الثلاثة الذين من المفترض إطلاق سراحهم غدا الأحد، وأن هذا يشكل خرقا واضحا منهم للإتفاق.
وبينما يأمل دونالد ترامب أن يدخل البيت الأبيض وقد توقف القتال في غزة، فهو لا يريد أن يستمر حكم حماس للقطاع وتتفق معه الدول العربية ومنها الإمارات ومصر والسعودية والمجتمع الدولي.
ستبحث هذه القوى المؤثرة في الملف الفلسطيني خروج بعض قادة حماس والمسؤولين بها من القطاع إلى دولة عربية بعيدة كما حدث مع من قبل مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تم إخراجها من لبنان عام 1982 إلى تونس.
التاريخ قد يعيد نفسه في القطاع مجددا وإذا رفضت حماس سيتم استئناف الحرب وقد تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أوضح من السابق.
حاليا ما يهم إسرائيل والمجتمع الدولي هو استعادة الرهائن والإفراج على عدد من الأسرى الفلسطينيين، ثم بعد ذلك سيكون العمل الشاق وهو إدارة المرحلة الإنتقالية لغزة وتحديد مصير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هذا يعني أننا أمام أشهر سيعاني فيها سكان غزة من العيش في المخيمات وانتظار بناء المنازل والبنى التحتية، والإعمار لن يكون قويا ما دمنا في المرحلتين الأولى والثانية لهذا الاتفاق، حاليا فقط المساعدات هي التي ستدخل للسكان من الحدود المصرية.
الهدنة حاليا ضرورية نظرا لضعف التهديدات من لبنان وسوريا وغزة بشكل كبير، لذا تأمل الدولة العبرية التركيز على اقتصادها لفترة حتى تتضح الأمور في القطاع أكثر.
إن إيقاف الحرب في غزة هو في مصلحة الجميع ومطلب متفق عليه، لكنه قد لا يدوم طويلا وقد يتم استئناف الحرب إذا فشلت المرحلة الثالثة التي تعد الأخطر في الاتفاق برمته.
مستقبل القطاع غامض والإدارة الأمريكية مستعجلة لحل هذه المشكلة حلا لا رجعة فيه، كي يفوز الرئيس دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام والتي يحلم بها.
بالنسبة لإسرائيل السنوات الأربعة القادمة مهمة للقضاء نهائيا على التهديد الإيراني والإنتقال بقطاع غزة إلى ما بعد حماس لكن لا يزال الطريق طويلا للوصول إلى نهاية هذه القصة.