لطالما اشتهر مسلسل “عائلة سيمبسون” بقدرته العجيبة على التنبؤ بالأحداث المستقبلية، لكن في إحدى حلقاته الأكثر جدلًا، لم يكتفِ بالسخرية من السياسة والدين فحسب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، متنبئًا بأن غزة قد تتحول إلى “نادي للتعري”، بينما يعتقد هومر سيمبسون أنه المسيح المنتظر الذي سيجمع أتباع الديانات الثلاث تحت راية واحدة!
في هذه الحلقة المثيرة، التي حملت عنوان “The Greatest Story Ever D’ohed”، تأخذنا القصة إلى قلب الصراع في الشرق الأوسط، حيث تقدم رؤية ساخرة للأديان والسياسة والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ما يجعلنا نتساءل: هل كان الهدف مجرد فكاهة سوداء، أم أن المسلسل يوجه رسالة أعمق؟ ولماذا أثارت هذه الحلقة غضب الكثيرين، خصوصًا بسبب تصويرها الجريء للواقع في فلسطين وإسرائيل؟
في هذا المقال، نغوص في تفاصيل هذه الحلقة المثيرة، ونحلل الرموز الساخرة التي استخدمها المسلسل الشهير والذي شارك في كتابة حلقاته أكثر من 140 كاتبا ومؤلفا.
عندما يتحول هومر إلى المسيح وتصبح غزة ناديًا للتعري!
في الحلقة السادسة عشرة من الموسم الحادي والعشرين من مسلسل “عائلة سيمبسون” بعنوان “The Greatest Story Ever D’ohed”، تتناول الحلقة عدة مواضيع حساسة بأسلوب ساخر.
تبدأ الحلقة عندما يلاحظ نيد فلاندرز، الجار المتدين لهومر سيمبسون، أن سلوك هومر الفوضوي أصبح غير محتمل، خاصة خلال جلسة لدراسة الكتاب المقدس.
يقرر نيد أن يأخذ هومر وعائلته في رحلة إلى الأراضي المقدسة في إسرائيل، على أمل أن يجعله يكتشف الجانب الروحي من حياته.
لكن كالعادة، لا يتوقف هومر عن تصرفاته الطائشة، حيث يعامل الرحلة كإجازة ترفيهية بدلًا من تجربة دينية، أثناء جولتهم في المعالم الدينية في القدس، يصطدم هومر بالثقافات المختلفة هناك، ويتشاجر مع مرشد سياحي إسرائيلي يُعرف بأسلوبه الفظ والقاسي.
خلال الرحلة، تبدأ الأحداث الساخرة في التصاعد، حيث يتم التلميح إلى توترات الشرق الأوسط بطريقة فكاهية، مثل مشهد يظهر فيه نادي ليلي اسمه “The Gaza Strip Club”، في إشارة ساخرة إلى قطاع غزة، وكأنه أصبح مكانًا للترفيه، وهو ما اعتبره البعض إهانة للقضية الفلسطينية.
تصل القصة إلى ذروتها عندما يتوه هومر في صحراء الضفة الغربية، وبعد تعرضه لضربة على الرأس نتيجة العطش والتعب، يبدأ في رؤية رؤى غريبة تجعله يعتقد أنه المسيح المنتظر.
في هذه اللحظة، يقرر أنه مرسل لتوحيد جميع الأديان، ويبدأ في نشر رسالته الوهمية وسط أجواء من الفوضى والغرابة، خصوصا بعد أن أخبرته الخضروات (الملائكة الثلاثة) أنه المختار.
تنتهي الحلقة برسالة ساخرة مفادها أن الناس سيؤمنون بأي شيء إذا قُدم لهم بأسلوب مقنع، في انتقاد واضح للطبيعة البشرية في التعامل مع الأديان والسياسة، وهو ما جعل الحلقة تثير الكثير من الجدل حول محتواها ومعانيها الخفية.
قطاع غزة أكبر نادي للتعري والترفيه في العالم
في الحلقة المثيرة للجدل من مسلسل “عائلة سيمبسون” بعنوان “The Greatest Story Ever D’ohed”، يُظهر مشهد ساخر لافتة لنادٍ ليلي يُدعى “The Gaza Strip Club”، وهو تلاعب لفظي يجمع بين “قطاع غزة” و”نادي التعري”.
هذا المشهد أثار انتقادات واسعة، حيث اعتُبر تقليلاً من معاناة سكان غزة وتصويرًا غير لائق للمنطقة، لكنه تحول مهم لقطاع يعيش فيه حوالي مليوني شخص في الحصار منذ سنوات طويلة وشهد مؤخرا حربا مدمرة تسببت فيها حماس بهجومها المتهور في السابع من أكتوبر 2023.
المثير للاهتمام أن هذا التصوير الساخر يتقاطع مع ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا، حيث اقترح خطة لإعادة إعمار قطاع غزة وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
تتضمن الخطة تهجير سكان غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وإعادة تطوير المنطقة لتصبح وجهة سياحية عالمية، وقد أثارت هذه الخطة ردود فعل غاضبة واتهامات بالتطهير العرقي، حيث رفضت دول عربية ومنظمات حقوقية هذا المقترح بشدة.
هذا التداخل بين السخرية الفنية والواقع السياسي يسلط الضوء على كيفية تناول الإعلام والفن لقضايا حساسة، وكيف يمكن أن تتقاطع التنبؤات الساخرة مع الأحداث الفعلية، مما يثير تساؤلات حول حدود السخرية وتأثيرها على الرأي العام.
السخرية من تمويل إسرائيل
في أحد أكثر المشاهد جرأة في الحلقة، تظهر لافتة في مطار بن غوريون كتب عليها: “مرحبًا بكم في إسرائيل: أموال الضرائب الأميركية في العمل”.
هذه الجملة الساخرة تلخص بأسلوب تهكمي العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بالمساعدات المالية الضخمة التي تقدمها واشنطن لتل أبيب سنويًا.
تعكس هذه اللافتة نقدًا ساخرًا للواقع السياسي، حيث تتلقى إسرائيل مليارات الدولارات من الدعم الأميركي، وهو ما يثير الجدل بين السياسيين والمواطنين الأميركيين الذين يتساءلون عن سبب تمويلهم لدولة أخرى في حين تواجه بلادهم تحديات اقتصادية واجتماعية.
يعتبر هذا المشهد امتدادًا لأسلوب مسلسل “عائلة سيمبسون” في السخرية من السياسة الأميركية الخارجية، حيث لم يتردد سابقًا في تناول قضايا مثل التدخلات العسكرية والدعم غير المشروط لحلفاء واشنطن.
الرسالة هنا واضحة: أموال الضرائب التي يدفعها المواطن الأميركي تُستخدم في مشاريع خارجية، بينما يواجه العديد منهم أزمات داخلية مثل الديون والرعاية الصحية والبنية التحتية المتدهورة.
إنها رسالة من مسلسل يقف وراءه الملياردير الأمريكي روبرت مردوخ، الذي يدعم دونالد ترامب والحزب الجمهوري المحافظ في الولايات المتحدة.
توحيد الديانات.. رسالة خفية بأن الأديان صناعة بشرية
في ذروة أحداث الحلقة، وبعد أن يتعرض هومر لضربة على رأسه في صحراء الضفة الغربية، يعتقد أنه المسيح المنتظر المكلف بتوحيد المسيحية والإسلام واليهودية تحت دين واحد.
وبينما يبدأ بنشر “رسالته” الجديدة، يتبعه أتباع من مختلف الخلفيات الدينية، في مشهد يجسد كيف يمكن للناس الانقياد لأي فكرة تُقدم لهم بأسلوب مقنع.
هذه الحبكة الساخرة توحي برسالة مثيرة للجدل، مفادها أن الأديان في النهاية صناعة بشرية، وأن فكرة “المنقذ” أو “النبي المنتظر” قد تكون مجرد وهم يُستخدم للتأثير على الجماهير، المسلسل، بأسلوبه الساخر، يسخر من الميل البشري لتصديق أي زعيم كاريزمي يدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة.
هذا الطرح ليس جديدًا على “عائلة سيمبسون”، فقد سبق للمسلسل أن سخر من المؤسسات الدينية في حلقات عديدة، مشيرًا إلى أن الأديان تتغير وفقًا للأهواء السياسية والمصالح الاقتصادية، وليس فقط من منطلق الإيمان الخالص.
تم إصدار الحلقة السادسة عشرة من الموسم الحادي والعشرين من مسلسل “عائلة سيمبسون”، والتي تحمل عنوان “The Greatest Story Ever D’ohed”، في 28 مارس 2010، وقد أغضبت المسلمين واليهود والمسيحيين على حد سواء.
وقد منع عرضها في العديد من الدول الإستبدادية التي تعتقد أنه من خلال منعها لن يطلع عليها الناس ولن يشاهدوها بطرق أخرى.