كما هو متوقعا، رصد الفاتيكان صعود اللاإنجابية وعزوف الأزواج الجدد عن الإنجاب أو الإكتفاء بإنجاب طفل واحد، وجاء بموقف معارض.
والحقيقة أن علاقة الكنيسة بفلسفة اللاإنجابية لم تكن جيدة أبدا، لهذا فإن الكثير من روادها لم يكونوا متدينين أو حتى قد تأثروا بالبوذية أو اختاروا الإلحاد في نهاية المطاف.
لكن هذا لم يمنع من ظهور اللاإنجابية المسيحية وتبنيها أيضا من بعض المتصوفين وأبناء مدرسة الزهد في الديانات السماوية المختلفة.
تصريحات بابا الفاتيكان ضد اللاإنجابية
في تصريحات جديدة نشرت مؤخرا للبابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية قال: “اليوم نرى نوعا من الأنانية، حيث نجد بعض الناس يرفضون إنجاب الأطفال”.
وأضاف: “في بعض الأحيان ينجبون طفلا واحدا، ويكتفون بذلك، ثم يقتنون الكلاب والقطط، التي تحل محل الأطفال”، “قد يرى البعض هذا مضحكا، لكنها الحقيقة”.
واعتبر هذه الممارسات الشائعة اليوم عالميا: “رفض لممارسة الأبوة، والأمومة، ويؤدي لتناقصنا، وينزع عنا إنسانيتنا”.
وتعد هذه الحجج معروفة لدى المدافعون عن الإنجاب والتوالد، ممن يرون أن الإنجاب سنة الحياة، وأنها عملية مكررة لاستمرار الجنس البشرية على الأرض.
اختيارات اللاإنجابية بعد رفض التوالد
يدافع الكثير من أنصار هذه الفلسفة عن تبني الأطفال المتخلى عنهم واستغلال المال من أجل تخفيف العذاب الذي يمر به هؤلاء الأطفال، كما يدافعون عن حقوق الحيوانات والمحافظة عليها.
لكن نعيد مرة أخرى الإشارة إلى أن كل شخص لاإنجابي لديه سبب لذلك، وقد يقتنع بذلك لفشل الأنظمة التربوية والأخلاقية، ورفضه المشاركة في هذه المهزلة الأسرية والمجتمعية المستمرة منذ سنوات.
ولأننا في زمن التكنولوجيا، حيث تتغير أنماط الدراسة والحياة والتعلم والتواصل والعمل، سنواجه تشكل جيل جديد أسوأ قيميا وأخلاقيا عن الأجيال الحالية.
وبما أن الإنجاب ليست مكافأة في حذ ذاته بل اختبار وفتنة كبرى، يميل اللاإنجابي صاحب هذا التفكير إلى البقاء وحيدا، وقد لا يدافع أيضا عن التبني أو تربية الحيوانات، ويكتفي بالدعم غير المباشر.
العزوبية ورفض التوالد بسبب الأزمة الإقتصادية
وجهت الأزمة الإقتصادية الجديدة ضربة قاصمة لمشروع الإنجاب والزواج لدى كثير من الشباب الذين يفضلون اليوم البقاء ضمن العزوبية أو أصبحوا مرغمين على ذلك.
يحاول الكثير منهم شراء منزل للإستقرار ومن ثم الزواج والإنجاب، لكن تكاليف المعيشة المرتفعة وفقاعة العقارات إضافة إلى تكاليف التربية وتصاعد عمل الجنسين لتحقيق حياة متوازنة يجعل الأمور معقدة.
لقد جعل وباء كورونا توقعات جيل الألفية الأكبر سنًا الذين يتطلعون إلى بدء أو توسيع أسرهم أكثر غموضًا، ولجأ الكثير منهم إلى إلغاء خطط الإنجاب.
يقول حوالي ربع جيل الألفية الأكبر سنًا إنهم قرروا الانتظار لفترة أطول لإنجاب الأطفال بسبب الوباء، وفقًا لاستطلاع نشرته CNBC Make It وقد شمل الاستطلاع 1000 بالغ أمريكي تتراوح أعمارهم بين 33 و 40 عامًا.
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة البالغين غير المتزوجين في الولايات المتحدة ستصبح قريبا أعلى من نسبة المتزوجين في الولايات المتحدة.
وقال حوالي 19٪ من جيل الألفية الأكبر سنًا إنهم قرروا عدم إنجاب طفل أو أطفال إضافيين في هذا الوقت بسبب الوباء، وكذلك أيضا بسبب عدم اليقين الإقتصادي.
وفي الصين أظهرت الاحصائيات أن معدل الزواج بلغ في عام 2013 على المستوى الوطنى 9.9 في المئة، ثم شهد انخفاضا ليصل إلى 9.6 في المئة في عام 2014، ليهبط إلي 9 بالمئة في عام 2015، ثم صار 8.3 بالمئة في عام 2016، و7.7 بالمئة في عام 2017 ليصل إلي أدني مستوي له في عام 2018 ليصل إلى 7.2 بالمئة.
في المغرب ارتفع متوسط عمر الزواج بنحو ثماني سنوات، إذ كان خلال فترة الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي يناهز 17 عاماً بالنسبة إلى النساء، و24 عاماً للرجال، والآن أصبح 25.5 عاما للنساء و 31 عاما للرجال.
وترتفع العزوبية والعنوسة أيضا بقوة في مصر خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات الطلاق، وقد تراجع معدل الزواج خلال يونيو 2019 بنسبة 25.4% مقارنة بالشهر ذاته من عام 2018.
وحتى الأزواج الذين لديهم طفل واحد حاليا لا يخططون لإنجاب أطفال آخرين، ويرفضون ذلك بالوقت الحالي تحوطا من ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة والتحديات المتصاعدة.
أزمة المناخ والأزمات الأخرى تجعل اللاإنجابية خيارا أخلاقيا
ظهرت حركات تقلق الحكومات من الصين إلى أوروبا نحو الولايات المتحدة تدعو إلى إيقاف الإنجاب أو تقليل المواليد الجدد حتى اصلاح مشكلة المناخ التي تهدد بقاء البشرية على هذا الكوكب.
وتتفق هذه الحركات على أن كل شخص جديد يعني مستهلك جديد للموارد وشخص منتج للتلوث ومدمر للبيئة، وبدون انتقال عالمي شامل للطاقات المتجددة وتغيير السلوكيات الأنانية سنواجه عواقب وخيمة مثل زلازل كبيرة تقتل الملايين وكذلك الظواهر الأخرى مثل الفيضانات والتسونامي وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب المياه في المحيطات وكذلك المجاعات.
ويختار كثيرون حاليا اللاإنجابية أيضا من أجل تفادي المشاركة في مهزلة انهيار التعليم والأخلاق والمنظومات القائمة ولأن التحديات المتزايدة تجعل أي مشروع انجاب وبناء انسان جيد أمرا شبه مستحيلا.
الحقيقة أنه بدون غياب الأسباب التي تطرقنا إليها سيستمر تراجع الزواج والإنجاب وصعود التبني وتربية الحيوانات وأيضا الزواج من الروبوتات والزواج الرقمي وأنماط جديدة من العلاقات التي لم يسبق لنا أن سمعنا بها في التاريخ.
تستمد اللاإنجابية شرعيتها من الأزمات الإقتصادية والتربوية والمناخية المتصاعدة، ومثل أي مدافع عن الإنجاب ليس لدى البابا براهين قوية، لذا اختار أسلوب الإتهام واصدار الأحكام الجاهزة.
إقرأ أيضا:
إيلون ماسك يدافع عن الإنجاب من أجل استعمار المريخ
اليابان: الذكاء الإصطناعي وحل مشكلة انهيار الإنجاب
حقيقة إيلون ماسك العصامي المزيف
عام صعود اللاإنجابية مع انهيار قيمة التوالد
دور سوق العمل والروبوتات في أزمة الذكورة