
لم يكن المغرب أبدا دولة اشتراكية حتى في عز الإتحاد السوفياتي، ولم ينهج سياسة مشابهة للصين التي لا تتوانى عن استخدام أدواتها للتدخل في الإقتصاد والتجارة والاستثمارات.
لطالما تشدق المغرب بكونه بلدا منفتحا على اقتصاد السوق أو الإقتصاد الحر أو ما يدعى الرأسمالية، وتميز عن الدول العربية في هذه النقطة، لكن على ما يبدو فإن هذه الأيام قد تصبح من الماضي والإشتراكية قد تعود إلى الحياة في أسوأ أيامها من بوابة الرباط.
المقاطعة المستمرة منذ أكثر من أسبوعين والتي تتصاعد، تحدد المزيد من الأهداف غير الشركات أو المنتجات الثلاث التي تم مقاطعتها، ونتحدث عن الماء المعدنية والبنزين إضافة إلى الحليب.
الأهداف يمكن أن تصل إلى العقارات وكذلك البنوك وحتى التلفزيون المحلي، مرورا بمنتجات ومواد كثيرة استهلاكية وأخرى غير ضرورية.
ويطالب المغاربة بتدخل البرلمان والحكومة لتحديد أسعار السلع والمنتجات، كذلك يطالبون بإلغاء الطبقية الاجتماعية وتحقيق المساواة وتقسيم الثروة بالعدل.
وبالنظر إلى هذه المطالب المشروعة، فهي تكشف عن الأفكار والمطالب التي لطالما دافع عنها الإقتصادي العبقري كارل ماركس.
-
الدفاع عن الأفكار التي تنادي بها الإشتراكية
أثار انتباهي أن المطالب المشروعة للشعب المغربي تتوافق تماما مع الأفكار التي تنادي بها دائما الإشتراكية، منها تدخل الحكومة في تحديد أسعار المنتجات والتحكم في السوق ومنع أي ممارسات لتحقيق الثروة الفردية.
تسعير المنتجات والتخلي عن قانون العرض والطلب، ينقلنا مباشرة إلى الإشتراكية ويهدد المنافسة وظهور المزيد من الشركات التي يمكنها أن تقدم منتجات بأسعار أقل وبجودة أعلى أو منتجات بأسعار أعلى لطبقات مستعدة للدفع من أجل أفضل جودة ممكنة أو لمزايا إضافية.
إلغاء الطبقات الاجتماعية والفوارق وتوحيد الشعب المغربي وتحقيق المساواة في الدخل، هي أيضا من مطالب كارل ماركس ومميزات فكره ومدرسته.
في النظام الإشتراكي لا وجود للشركات أو المؤسسات بل إن أدوات الإنتاج هي ملكية جماعية، جميع مواطني الدولة يعملون تحت إمرتها تحت مسمى القطاع العام، ولا وجود للقطاع الخاص.
وإذا كانت الدولة هي التي ستحدد أسعار المنتجات فهذا سيسمح لها بالتحكم في الإنتاج والجودة وامتلاك تلك الشركات وقتل المنافسة والقطاع الخاص.
لذا تبدو المطالبة بتدخل البرلمان والحكومة لتنظيم أسعار المنتجات تفضيل لمبادئ الإشتراكية على مبادئ الرأسمالية.
-
لا داعي للتشدق بالرأسمالية فلا علاقة لكم بها
قد ينزعج الكثير من القراء مما كتبته في هذا المقال، لأن الحقيقة بطبيعتها مؤلمة، ما يطالب به الشعب المغربي مشروع تماما ولا خلاف على هذه النقطة.
لكن ما يجب أن يعرفه المقاطعون الذين يخططون لتشمل المقاطعة المزيد من المنتجات، هو أن مطالباتهم لا تتفق مع تشدقهم بالرأسمالية.
من الواضح أنهم لا يؤمنون بمبادئها وينتظرون تدخل الدولة في كافة مفاصل عملية الإنتاج والبيع والتسعير، ما يقضي تماما في حالة تحوله إلى واقع على اقتصاد السوق.
وفي حال توسعت المقاطعة لتشمل المزيد من المنتجات والصناعات، وتدخلت الحكومة لتنظيم الأسعار فهذا سيكون ضربا مباشرا لاقتصاد السوق.
للأسف هناك تناقض كبير بين ما يؤمن به الناس وما يصرحون به، حيث عادة ما يتحدثون عن الاشتراكية بأنها سيئة وتخلف كبير فيما يطالبون من خلال هذه المطالبات بتدخل الدولة.
نهاية المقال:
فيما تعد الإشتراكية منبوذة في المغرب ولم يكن أبدا هذا البلد محسوبا على معسكر كارل ماركس، إلا أن دعوات الشارع المغربي والناشطين على فيس بوك إلى تحقيق مجموعة من المطالب والأفكار التي تزيد من تدخل الدولة في حياة الأفراد يضع اقتصاد السوق في خطر.