من المؤسف أن هناك خلط واضح وكبير لدى الرأي العام والناس بين المنافسة والعداوة، بالرغم من أنهما مفهومين بعيدين كل البعد عن بعضهما البعض.
لأن الإعلام يتداول عادة أن الملاكم الفلاني سيواجه خصمه فلان، لا يعني بالمعنى الصحيح أنهما عدوين بل منافسين على أرض الحلبة لكن خارجها يمكن أن تربطهما علاقة صداقة قوية أو ربما لا تربطهما الصداقة ولا العداوة.
هذا المفهوم الخاطئ ليس حبيس مجال الملاكمة فقط بل إنه شائع في بقية الرياضات الفردية والجماعية، ما خلق جماهير متعصبة للفرق والرياضيين الذين يشجعونهم إلى حد الاعتقاد بأنه من المحرمات التعاطف مع فريق منافس والتعايش مع المنافسة لأنها عداوة في نظرهم.
المشكلة أن هذه الفلسفة الشائعة والتي تحكم فكر القطيع اليوم تشمل مجال ريادة الأعمال والشركات، فشركة مايكروسوفت و آبل في نظر كثيرون هما عدوين وليس منافسين، مع أننا نعلم جيدا أن هناك تعاون بينهما في الكثير من المجالات ولأكثر من مرة كان هذا واضحا للرأي العام.
هذه الفكرة جعلت الكثير من الناس يستغربون حقيقة عندما يكتشفون أن شخصين في مجال واحد متنافسين بقوة تربطهما في ذات الوقت علاقة صداقة قوية، يتساءلون كيف يمكن لهذه العلاقة الجيدة أن تستمر في ظل المنافسة وحديث الناس عن عداوتهما وبث الشائعات التي يمكنها أن تشعل فتيل العداوة بينهما؟
الجواب هو أن الصداقة الحقيقية لا تقتلها المنافسة ولا تتأثر بذلك، وهي بريئة وبعيدة عن التفكير السطحي والمنحط السائد بين الناس!
-
صداقة ماديسون كيز و سلون ستيفنز باقية رغم النهائي المثير
هناك الكثير من الأمثلة لأشخاص تربطهم صداقة قوية خارج الملاعب رغم المنافسة الشرسة، وقصة لاعبة التنس الأمريكية سلون ستيفنز و ماديسون كيز خلال سبتمبر الماضي هي أحدث دليل على أن الصداقة الحقيقية لا تقتلها المنافسة لأن هذه الأخيرة بريئة من العداوة.
في نهائي أمريكا المفتوحة للتنس 2017 وضع الاجتهاد والتفوق الصديقتين سلون ستيفنز و ماديسون كيز في المنافسة وجها لوجه، وكانت الهزيمة قاسية للاعبة ماديسون كيز التي تجرعت خسارة قاسية بفوز صديقتها عليها بالنتيجة 6-3 و 6-0
ورغم ذلك عبرت كيز عن امتنانها لأن الهزيمة حدثت أمام صديقتها ستيفنز وليس أي منافسة أخرى، مضيفة أن اللعب في مواجهة صديقتها يحمل مذاقا خاصا وأن سلون ستيفنز تظل واحدة من أفضل صديقاتها.
وما كان منها إلا أن حملت نفسها مسؤولية الهزيمة بالقول أن مستواها كان سيئا، وأنه عليها العمل للتحسن للظفر بالبطولات مستقبلا.
أما ماديسون كيز المنتصرة فقد كانت سعيدة وفي ذات الوقت متعاطفة مع صديقتها وداعمة لها لتصبح أقوى وتصبح المنافسة بينهما أفضل، مضيفة أنها ستحتفل معها بالفوز.
-
صداقة رافائيل نادال و روجيه فيدرر أقوى رغم المنافسة أكثر من 10 سنوات
في عالم التنس نفسها شكل الثنائي الاسباني رافائيل نادال والسويسري روجيه فيدرر منافسين على أعلى المستويات لعقد من الزمن على الأقل.
كلاهما في هذه الرياضة بمثابة أسطورة تمكنا من السيطرة على المسابقة والمنافسة بشكل عام، حتى أن مواجهاتهما تحظى بمشاهدات قياسية مقارنة بمنافسات أخرى.
لكن المنافسين رافائيل نادال و روجيه فيدرر تربطهما علاقة صداقة قوية أصبحت واضحة للجميع في الوقت الحالي ولديهما شراكات خارج الملعب مع توجههما إلى الاعتزال قريبا.
حاول الإعلام والرأي العام كثيرا تصويرهما على أنهما عدوان وخصمين يسعى كل واحد منهما لإقصاء الآخر، لكنه فشل لأن الصداقة الحقيقية كانت حاضرة فعلا.
-
صداقة سيرخيو راموس و جيرارد بيكيه تتوج بشراكة تجارية رغم ريال مدريد و برشلونة
يلعب سيرخيو راموس و جيرارد بيكيه في نفس المركز وهو الدفاع بفريقين معروف أنهما خصمين، نعم إنهما ريال مدريد و برشلونة.
سبب كاف بالنسبة للجماهير المتعصبة لتقتنع بأن العداوة هي المستحوذة على علاقة النجمين الإسباني سيرخيو راموس و الكتالوني جيرارد بيكيه.
غير أن هذا ليس صحيحا، فكلاهما يلعب لصالح المنتخب الإسباني وهناك علاقة صداقة قوية بين الرجلين، ومؤخرا اعترف نجم برشلونة بأن لديه شراكة تجارية مع نجم ريال مدريد وهما على الأساس يتجهان من الصداقة إلى الشراكة التجارية.
وفيما يتجه المنافسين إلى الاعتزال خلال سنوات قليلة قادمة، ستدخل العلاقة بينهما نحو مرحلة جديدة وهي مرحلة الشراكة التجارية ما يضرب بعرض الحائط قصص الإعلام السخيفة.
نهاية المقال:
من قصة لاعبتي التنس ماديسون كيز و سلون ستيفنز وعملاقي الكرة الصفراء رافائيل نادال و روجيه فيدرر نحو نجمي ريال مدريد وبرشلونة سيرخيو راموس و جيرارد بيكيه تبدو المنافسة لا شيء أمام الصداقة الحقيقية، وتبقى هذه الأخيرة شامخة رغم كل محاولات الرأي العام الربط بين العداوة والمنافسة في الرياضة وريادة الأعمال والحياة بشكل عام.