إلى الآن فأبرز الأزمات المالية العالمية التي تابعناها كانت فقط بسبب الفقاعات والإستخدام السيء من المستثمرين للأدوات، ولم تكن نتيجة الحرب المالية التي نتحدث عنها هنا.
لكن الصين تنظر إلى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 والتي استهدفت تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة بمثابة مؤامرة فعلا وشكل من أشكال الحرب المالية إذ أن المصرفيين الغربيين قاموا بسحب أموالهم الساخنة فجأة من البنوك والأسواق الآسيوية الناشئة.
أما تركيا فترى أن أزمتها المالية التي اندلعت بشكل علني خلال أغسطس 2018 على أنها حرب مالية من واشنطن ضدها على خلفية القس الذي أطلقت صراحه لاحقا.
والحقيقة أن الحرب المالية واردة ورغم أنها لا تتطلب اطلاق الصواريخ أو ارسال الجيش إلا أنها سلاح دمار شامل يمكن أن يعيد دول واعدة إلى الوراء بسنوات، وبالطبع لا يمكن أن يحصل ذلك دون وجود نقاط ضعف في اقتصاداتها وأنظمتها المالية.
-
العقوبات الإقتصادية والمالية أشهر الحروب المالية
تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم النظام المالي العالمي إلى العقوبات المالية والإقتصادية للضغط على الدول الأخرى والكيانات المعادية وحتى لضرب الأعداء والضغط عليهم ماديا.
استخدمت واشنطن هذا الأسلوب ضد ايران منذ الثورة الإسلامية 1978 – 1979 والتي أطاحت بنظام الشاه، وتولد عنها نظام ديني يكن العداوة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد ازدادت وثيرة هذه العقوبات في عهد دونالد ترامب الذي يرغب في اعادة التفاوض معها حول الإتفاق النووي.
استخدمت السلاح نفسه ضد حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وحماس الفلسطيني والمنظمات الأخرى التي تعتبرها ارهابية.
ولا ننسى بالطبع انها تستخدم الأسلوب نفسه ضد روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وهي الدول العدوة بالنسبة لها.
نجحت هذه العقوبات في تجميد أموال شخصيات وأشخاص ذات صلة بتلك الدول والكيانات، ومنعت أيضا الشركات العالمية والبنوك الدولية من التعامل معهم.
من جهة أخرى حرمت تلك العقوبات كوريا الشمالية من الإستفادة بشكل أكبر من الإقتصاد العالمي ولولا مساعدة الصين لكانت في وضع أسوأ.
أما ايران فهذه العقوبات نجحت في تحطيم عملتها والضغط على اقتصادها ولولا أنها تعلمت الإكتفاء الذاتي لعقود مضت لكان وضعها أسوأ، ناهيك على أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الصين وروسيا وحتى باكستان ولديها تعاملات مع دول أخرى.
تتمتع العقوبات الأمريكية بفاعلية لكون الدولار الأمريكي محور النظام المالي العالمي، لكن السلاح الأمريكي يفقد الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها حتى لدى أقرب حلفائها بمن فيهم الأوروبيين الذين يسعون لنظام مالي عالمي لا تقوده واشنطن.
-
استهداف البورصة ممكن لكنه صعب
تطورت البورصات حول العالم وقد تشبعت بالتحول الرقمي، لهذا فالمعاملات المالية رقمية في الحقيقة وكل شيء يعتمد على إتصال الإنترنت.
من جهة أخرى تطورت القوانين وتم حظر العديد من أساليب التداول والتلاعب وتخضع صناديق الإستثمار ووسطاء التداول للرقابة.
لكن إنهيار أسواق المال العالمية لا يزال ممكنا ولا يمكن ايقاف الأزمة المالية عندما تشن هجومها وتكون أوامر البيع أعلى وأعظم من أوامر الشراء.
هناك عدة أساليب في الواقع يمكن بها استهداف البورصة منها الهجوم الإلكترونية من خلال زراعة برمجيات خبيثة من شأنها التلاعب بالبيانات بما يشجع على بيع الأسهم.
يمكن أن يعطل الهجوم الإلكترونية عملية التداول لعدة ساعات وترافقه أخبار وشائعات تروج لسرقة استثمارات المتداولين، وعند افتتاح البورصة تشهد عمليات بيع ضخمة بسبب الذعر.
عمليات القرصنة التي يمكن أن تستهدف وسطاء التداول ومنصات الإستثمار وصناديق التحوط يمكن أن تكون بداية لما هو أسوأ.
الهجوم على البورصة بهذه الطرق يعتد على شيئين مهمين، الصدمة والذعر، ويأتي بعدهما انتشار الشائعات والتأويلات السلبية التي يمكن أن تكون عن حسن نية.
-
خطورة الحرب المالية والإقتصادية
ليس من السهل شن حرب مالية او اقتصادية ضد دولة معينة خصوصا إن كانت ذات ثقل اقتصادي ومهم للنظام المالي العالمي.
فمثلا ليس من المنطقي أن تندلع هذه الحرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فانهيار واحد منهما سيؤدي إلى تضرر الثاني بقوة.
التجارة العالمية المترابطة والمصالح المشتركة تجعل الحرب المالية غير مجدية في مثل هذه الحالات وهو ما خلص إليه بحث أعده مركز الأبحاث الأمريكي “راند” لصالح الجيش الأمريكي تم نشره في يوليوز 2016 تحت عنوان “War with China: Thinking Through the Unthinkable” أو “الحرب مع الصين: التفكر في ما لا يتقبله العقل”.
لهذا تبدو بعض التكهنات بحدوث هذه الحرب بين القوى الكبرى في العالم على الأقل غير معقولة، وحتى الحرب ضد دول صاعدة مثل تركيا والسعودية والأرجنتين تعد مكلفة وتداعياتها سيئة.
نهاية المقال:
نعم يمكن شن حرب مالية ضد دولة معينة لكن هذا لا يحدث بتلك البساطة وليست الطريقة المفضلة، ويعتمد على وجود ثغرات ومحفزات اندلاع الأزمة المالية وحدوث الإنهيار.