يصادف يوم 14 يناير الذكرى العاشرة للربيع العربي، الذي بدأ بإطاحة التونسيين بنظام الرجل القوي زين العابدين بن علي في عام 2011.
كان الربيع العربي، لحظة أمل لشعوب المنطقة حيث كانت تعتقد أنها تتجه نحو مستقبل أكثر حرية وديمقراطية، لكنها اصطدمت بالطائفية والفوضى والتدخلات الخارجية، وخرجت الأزمة الإقتصادية الرابح الأكبر من هذا الصراع.
رغم بناء نظام ديمقراطي في تونس واستمرار الإصلاحات السياسية، إلا أن الشعب التونسي يشعر بخيبة أمل واضحة وكبيرة، لأن الرخاء ليس هنا.
من المؤكد أن الديمقراطية في تونس هشة ولا تزال تتطور، فالأحزاب في البلاد في خلافات وصراعات والسلطة هدف منشود للطبقة السياسية دون حلول حقيقية للإصلاح.
وقد علق البنك الدولي على ذلك بالقول: “تظل تونس بلد التناقضات: في حين تم إحراز تقدم مهم في الإنتقال السياسي نحو نظام حكم ديمقراطي مفتوح، فإن التحول الإقتصادي لم يواكب وتيرته”.
في عام 2014، اعتمدت تونس دستورًا جديدًا ثم أجرت أول انتخابات برلمانية ورئاسية كاملة بموجب هذا الدستور، كان هناك أمل كبير حينها.
لكن الأمل تناقص مع مرور الوقت، إذ فشل الإخوان المسلمون ولم يحظوا بإجماع شعبي ولديهم صراعات سياسية كبرى داخل بلدهم ومع بلدان أخرى.
ورغم تغير الوجوه إلا أن النتيجة هي نفسها، البطالة في تزايد والسياحة تعاني إضافة إلى الفشل في استقطاب الإستثمارات من الخارج.
وما زاد الطين بلة أن الصناعات المحلية في تونس تعاني بسبب اغراق تركيا للسوق التونسية بمنتجاتها، وقد اختار الكثير من الشباب الهجرة إلى أوروبا.
وكانت الإنتخابات الأخيرة بمثابة جرس انذار للدولة التونسية، حيث مثل صعود رجل مستقل لا ينتمي إلى الأحزاب الكثيرة في البلاد، رسالة واضحة من الشعب بأنه لم يعد يثق بالأحزاب.
وفي ظل أزمة فيروس كورونا المستمرة منذ عام تقريبا، تعاني تونس اقتصاديا أكثر من أي وقت مضى، وقد شهدت احتجاجات عمالية وأخرى شعبية على مختلف القضايا لكنها كلها تتفق على أن الشعب التونسي مستاء من تأخر الرخاء الإقتصادي الموعود.
لكن في الواقع لن يحدث ذلك دون اصلاح حقيقي والأهم توعية الشعب بأهمية ذلك الإصلاح وأنه يمكن أن يكون مؤلما لكنه سيفتح الباب نحو مستقبل أفضل.
في العام الأخير انشغلت تونس بمكافحة كورونا كما هو الحال بالنسبة لبقية دول العالم، ولأنها دولة تعتمد على السياحة، فهي بحاجة إلى أن تلقح كل شعبها أو أغلبه قبل الصيف القادم، وهذا إذا أرادت أن تستفيد إلى حد ما من الموسم السياحي القادم.
لقد عاد اقتصاد تونس 54 عاما نحو الوراء وهذا ما تشير إليه أحدث البيانات الإقتصادية التي لدينا، وهذا البلد في مأزق حقيقي، ونخشى أن يأخذ نفس الطريق الذي تسلكه الجارة الغربية الجزائر.
بينما تونس هي بلد غير نفطي فإن توقف السياحة التي تعد من أهم مصادر العملة الصعبة هو أمر صعب للغاية بالنسبة لهذا البلد.
تحتاج الدولة الصغيرة الواقعة في شمال أفريقيا إلى حل مشكلة كورونا، ثم معالجة مشاكل اقتصادية متنوعة ومنها اصلاح العملة الوطنية، وهنا يمكن أن نتحدث عن تعويم الدينار التونسي كحل متاح.
من جهة أخرى يجب أن تخفض البلد الضرائب سواء للشركات أو المستثمرين الأجانب، وهي تتوفر على عملة جيدة منخفضة التكلفة، كما أن تراجع العملة الوطنية سيعطي للصادرات ميزة تنافسية مهمة.
ويمكن إصلاح نظام الدعم ليستفيد منه فقط الأكثر فقرا، والتركيز على هذه الفئة الهشة والتي لن تقدر على تحمل المزيد من الضغط المالي والإقتصادي.
من جهة أخرى يجب أن يتحسن القطاع الخاص ولا يمكن ذلك دون حوافز ضريبية إضافة إلى تقديم قروض بتسهيلات كبرى للشباب.
تشير الأدلة إلى أن الشركات في القطاع الخاص، تستثمر بشكل أقل، فهي أقل ابتكارًا، وأقل توجهًا للتصدير، وبالتالي فهي أقل إنتاجية.
يجب أن تتحسن الحرية الإقتصادية فهذا البلد يحتل المرتبة 128 عالما هو في وضع أسوأ مقارنة مع عدد من الدول العربية أبرزها المغرب والأردن وسلطنة عمان والبحرين والإمارات والكويت.
كل هذه الأمور يمكن أن تحدث من خلال إطلاق رؤية أو مبادرة وتحديد الأهداف والعمل عليها، ويمكن تبني خطط الرقمنة وتبسيط الإجراءات للمستثمرين وتخفيض الضرائب بسهولة.
وستحتاج الإصلاحات إلى تمويل أو الحصول على قروض، وهنا يأتي دور صندوق النقد الدولي والبنوك الدولية التي يمكنها أن تساعد تونس بشرط تطبيق الإصلاحات المشار إليها في الأسطر السابقة.
يحتاج قادة هذا البلد إلى التحرك بسرعة وبمسؤولية وإخبار الشعب بضرورة العملية الجراحية، هذا تفاديا لثورة جديدة أو اضطرابات قد تغرق تونس.
إقرأ أيضا:
الضرائب في تونس: مميزات وعيوب والإصلاحات
هل سيعود الإستعمار إلى تونس بسبب الديون كما حدث عام 1869؟
البيروقراطية والإستثمار في تونس ومشكلة الإقتصاد التونسي
بعد احتواء كورونا: كيف ستواجه تونس الأزمة الإقتصادية؟