تستمر قصة أزمة الليرة التركية والتي تلقي بظلالها على الحياة المعيشية للمزيد من الأتراك، وهي التي لا تميز في النهاية بين مسلم وعلماني ولا بين شركة عامة وخاصة.
الحكومة التركية واضحة، إذ هي تريد بقوة التخلص من هذه الأزمة التي تهدد بهلاك نظام برمته، أو ربما خسارة حزب العدالة والتنمية للسلطة لصالح المعارضة.
حماية الليرة التركية من بطش الأزمة التي خرجت إلى العلن خلال أغسطس، هو شعار الحكومة مع دعم جيد من البنك المركزي المستعد دائما لرفع سعر الفائدة.
على الجهة الأخرى هناك أسباب تبقي الأزمة على قيد الحياة، منها فقاعة ديون الشركات التركية و الإلتزامات المالية المتنامية وحتى خطر الركود الإقتصادي العالمي يهدد صادرات تركيا.
إنه صراع واضح بين السلطات التركية ضد الأزمة التي ما زلت أرى أنها غير مدفوعة من طرف معين، فعلاقات واشنطن وأنقرة عادت إليها المودة.
ولنفترض أن الأزمة المالية مؤامرة، ما أعرفه جيدا أن الأزمات المالية لا تتواجد إلا في بيئة خصبة لها، وتركيا بيئة جيدة لها حيث الديون والقروض الربوية تقف وراء النمو الإقتصادي المتسارع خلال السنوات الماضية، وعلاقاتها مع جيرانها التي يسودها التوتر تؤثر سلبا على حركة التجارة والاستثمارات.
-
اجراءات حماية الليرة التركية
لنبدأ من تحركات الحكومة التركية، التي نجحت في تقليص خسائر عملتها من 40 في المئة إلى 28 في المئة، حيث استعادت العملة بعض من قيمتها.
الإجراءات الحكومية تجلت في رفع سعر الفائدة خلال الفترة الماضي من قبل البنك المركزي، وهو ما كان يعترض عليه الرئيس التركي أردوغان.
من جهة أخرى فإن تركيا قد مددت مرسوما رئاسيا يفرض على المصدرين تحويل 80 في المائة من عائداتهم في الخارج إلى الليرة في غضون 180 يوما من استلام المبلغ هذا التمديد سيستمر لحوالي 6 أشهر أخرى.
ولا ننسى أن تركيا توفر الآن للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال شراء الجنسية التركية والتي تطرقنا إليها سابقا، لمن يود استغلال الأزمة الراهنة.
رد البنك المركزي برفع أسعار الفائدة بمقدار 625 نقطة أساس في سبتمبر، مما أدى إلى فترة هدوء في العملة. وقد تم تداول الليرة في الغالب في نطاق ضيق بين 5.15 و 5.35 ليرة لكل دولار طوال العام.
البنك المركزي التركي على أهبة الاستعداد لحماية الليرة التركية من خلال رفع أسعار الفائدة، ومن غير المستبعد أن يرفعها إلى 400 نقطة ما بين يونيو ويوليوز أو في الفترة التي تستدعي منه التدخل.
-
الأزمة لن ترحل قريبا وستبقى لتضيق الخناق
على الجهة الأخرى تجد تركيا نفسها في مواجهة أزمة مسلحة بأسباب كافية لوجودها وبقائها، منها فقاعة ديون الشركات التركية إضافة إلى الأزمة التي تهدد الأسواق الناشئة والتي تتجلى في تباطؤ الإقتصادات الصاعدة والناشئة.
ما بين 65 إلى 90 في المائة من العائدات في قطاع الحديد والصلب تعود إلى استيراد المواد الخام، وهذا يعني أن المصنعون سيواجهون صعوبات كبيرة في التعايش مع المرسوم الرئاسي الذي يفرض على المصدرين تحويل 80 في المائة من عائداتهم في الخارج إلى الليرة في غضون 180 يوما من استلام المبلغ.
أكدت دار الاستثمار ومقرها تورونتو مجددا دعوتها الى انخفاض كبير بنسبة 40 في المائة الى أدنى مستوى له على الاطلاق وهو 8.90 ليرة تركية لكل دولار أمريكي، وفقا لما ذكره تقرير نشر يوم الجمعة الماضي، وهذا يتناقض مع وجهة النظر المتفائلة بين المتداولين الذين يرون أن العملة ستتراجع بنسبة أقل من 8 في المائة بحلول الربع الثالث.
يقول كريستيان ماجيو، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في TD، الذي توقع بداية في عمليات بيع حادة للربع الأول، أن “الظروف أقنعته” أن هذا سيحدث، لكن ليس قبل الربع الثاني.
ويؤكد أن البنك المركزي سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس بين يونيو ويوليو، في “تباين صارخ” مع سوق تتوقع تخفيضات بمقدار 650 نقطة أساس هذا العام.
ستتعرض الليرة لضغوط من انكماش اقتصادي متصاعد ومخاطر متزايدة للتضخم العنيد، وفجوة واسعة في ميزان المدفوعات، ووجهة نظر “قاتمة” للبنوك الوطنية التي تواجه كومة متصاعدة من القروض المعدومة، و “الأمر الواقع”.
نهاية المقال:
تعول تركيا على عناية الله والإجراءات الفعلية وسعر الفائدة “الربا” لمواجهة ما يقولون أنها مؤامرة، على الطرف الآخر تتسلح الأزمة بعداوتها الأبدية لسعر الفائدة والقروض الربوية وتظهر على شكل تضخم عنيد وفقر كافر وسقوط شركات.