بعدما كشفت وسائل الإعلام عن انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال بشكل واسع في الساعات الماضية، اتجهت الأنظار إلى نظيرة المؤامرة في انتظار أن تظهر الحقيقة بعد التحقيقات التي لا تزال تعمل عليها السلطات الإسبانية وحتى الأوروبية.
واحدة من هذه النظريات التي اكتسبت زخمًا بين بعض المستخدمين، تربط بين هذه الأزمة التقنية وبين مواقف إسبانيا السياسية الأخيرة، وتحديدًا اعترافها بدولة فلسطين وحظرها لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل على خلفية الحرب في غزة، فما هي تفاصيل هذه النظرية؟
سياق توتر العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل
في مايو 2024، أعلنت إسبانيا، إلى جانب أيرلندا والنرويج، الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة وصفتها الحكومة الإسبانية بأنها تهدف إلى تعزيز حل الدولتين ودعم السلام في الشرق الأوسط.
وقد أثار هذا القرار غضب إسرائيل، التي ردت بمنع القنصلية الإسبانية في القدس من تقديم خدمات للفلسطينيين اعتبارًا من يونيو 2024، وهي خطوة اعتبرتها مدريد تصعيدًا دبلوماسيًا غير مبرر.
إضافة إلى ذلك، اتخذت إسبانيا مواقف صلبة بشأن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، في أبريل الجاري 2025، أعلنت الحكومة الإسبانية فسخ عقد لشراء ذخيرة من شركة إسرائيلية، مشيرة إلى أن جميع صفقات الأسلحة الموقعة مع إسرائيل قبل أكتوبر 2023 لن يتم تنفيذها.
كما منعت سفينتين تحملان أسلحة متجهة إلى إسرائيل من الرسو في موانئها في نوفمبر 2024، هذه الخطوات جاءت في سياق الضغط الشعبي المتزايد في إسبانيا، حيث نظمت منظمات المجتمع المدني مظاهرات للمطالبة بقطع العلاقات العسكرية مع إسرائيل بسبب الحرب في غزة، التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.
هذه المواقف جعلت إسبانيا هدفًا لانتقادات حادة من إسرائيل. على سبيل المثال، اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بالتواطؤ في “التحريض على الإبادة الجماعية” ضد اليهود، وهو اتهام وصفه مراقبون بأنه مبالغ فيه ويهدف إلى الضغط على مدريد.
في هذا السياق، بدأت نظرية المؤامرة حول انقطاع الكهرباء تتفاعل، مدعومة بتوقيت هذه الأزمة الذي تزامن مع التوترات السياسية.
إسرائيل والموساد وراء انقطاع الكهرباء في اسبانيا
وفقًا للادعاءات التي تم تداولها على منصة إكس، يُزعم أن انقطاع الكهرباء في إسبانيا والبرتغال كان نتيجة هجوم سيبراني نفذته إسرائيل، وربما جهاز الموساد، كرد فعل على مواقف إسبانيا المعادية لإسرائيل.
أحد المستخدمين، على سبيل المثال، أشار إلى أن التزامن بين قرار إسبانيا بفسخ صفقة الأسلحة وانقطاع الكهرباء “لا يمكن أن يكون صدفة”، مشيرًا إلى أن إسرائيل تمتلك القدرات التقنية لتنفيذ هجمات سيبرانية معقدة.
مستخدم آخر ذهب إلى أبعد من ذلك، مدعيًا أن إسرائيل تستخدم التكنولوجيا لمعاقبة الدول التي تدعم القضية الفلسطينية، مع الدعوة إلى حماية البنية التحتية الحيوية مثل الكهرباء والمياه.
هذه الادعاءات تستند إلى افتراض أن إسرائيل، التي تُعرف بقدراتها المتقدمة في الحرب السيبرانية، قد تكون استخدمت هذه الأدوات لإرسال رسالة سياسية إلى إسبانيا، ومع ذلك، فإن هذه النظرية تفتقر إلى أدلة ملموسة، وتعتمد بشكل رئيسي على التكهنات والتوقيت السياسي.
تُظهر هذه الادعاءات كيف يمكن للتوترات السياسية أن تُغذي نظريات المؤامرة، خاصة في ظل الصراعات المستمرة مثل الحرب في غزة.
إن دعم إسبانيا للقضية الفلسطينية، بما في ذلك حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، قد جعلها رمزًا للتضامن مع الفلسطينيين في نظر البعض، مما يجعل أي حدث غير عادي، مثل انقطاع الكهرباء، عرضة للتفسيرات المبالغ فيها.
أسباب انقطاع الكهرباء في اسبانيا والبرتغال
حتى الآن، لا توجد تقارير رسمية من إسبانيا أو البرتغال تؤكد أن انقطاع الكهرباء كان نتيجة هجوم سيبراني، ناهيك عن تورط إسرائيل.
في العادة، يمكن أن تحدث انقطاعات الكهرباء بسبب عوامل متعددة، مثل الأعطال التقنية، أو الأحوال الجوية القاسية، أو أخطاء في إدارة الشبكة.
على سبيل المثال، في عام 2020، شهدت منطقة قرب مدريد انقطاعًا للكهرباء بسبب مشاكل في البنية التحتية، مما أثر على آلاف الأشخاص، دون أي دليل على تدخل خارجي.
خبراء الأمن السيبراني يؤكدون أن تنفيذ هجوم سيبراني على شبكة كهرباء وطنية يتطلب موارد هائلة وتخطيطًا دقيقًا، وعلى الرغم من أن إسرائيل تمتلك قدرات متقدمة في هذا المجال – كما أظهرت هجمات سابقة منسوبة إليها مثل فيروس “ستوكسنت” الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية – فإن استهداف دولة عضو في الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا يُعتبر خطوة محفوفة بالمخاطر، قد تؤدي إلى عواقب دبلوماسية واقتصادية وخيمة.
علاوة على ذلك، لم تُصدر السلطات الإسبانية أو البرتغالية أي تصريحات تشير إلى هجوم سيبراني، في مثل هذه الحالات، عادةً ما تجري تحقيقات شاملة لتحديد الأسباب، وتُنشر النتائج للجمهور، غياب أي بيان رسمي يدعم نظرية الهجوم السيبراني يضعف مصداقية هذه الادعاءات.