
تصاعدت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال الفترة الأخيرة بعد شهور من التهديدات على مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية.
وفي حين يتراشق البلدين بالإتهامات والرفع من الرسوم الجمركية على أنواع معينة من المنتجات، فإن تقنية الجيل الخامس 5G قد تكون واحدة ضمن الأسباب الكبرى للحرب التجارية بين البلدين.
تقنية الجيل الخامس 5G تعني بالنسبة لنا كمستهلكين سرعة أكبر في تحميل صفحات الويب والملفات والرفع والتصفح إلى جانب التصفح الصديق للبطاريات، لكنها بالنسبة للبلدين هي تكنولوجيا الثورة الجديدة، الثورة التي تريد الصين أن تكون بسببها أقوى بلد في العالم، فيما يعتبرها دونالد ترامب شعارا لسياساته “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
ومن المعلوم أن تقنية الجيل الخامس 5G لا تعني فقط سرعة إتصال ممتازة، بل إنها توصف بأنها التكنولوجيا التي ستدعم الجيل التالي من البنية التحتية، من مليارات الأجهزة المتصلة بالإنترنت في السنوات القليلة المقبلة، إلى المدن الذكية والسيارات التي تعمل بدون سائق.
-
السباق إلى التحكم في تقنية الجيل الخامس 5G
إن الإنترنت المتنقل يتطلب “معايير” يمكن الاتفاق عليها عالمياً حتى تتمكن الشركات التي تصنع أجهزة الاتصالات من إنتاج أجهزة متوافقة معها، فضلاً عن شركات الاتصالات المتنقلة التي يمكنها نشر التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم. وقد تم الاتفاق على مواصفات الجيل الخامس في ديسمبر الماضي.
ولكن الآن السباق الحقيقي هو مع شركات المعدات مثل ZTE و هواوي والشركات الأوروبية مثل نوكيا وإريكسون التي تتحرك لاتخاذ زمام المبادرة. كما تشارك شركات تصنيع الرقائق الأمريكية مثل كوالكوم وإنتل وكذلك شركات الطيران. وهذا هو جزء مما تدور حوله الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وفقاً لما قاله ديكلان غانلي، الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات Rivada Networks.
وقال جانلي في مقابلة هاتفية مع قناة CNBC في وقت سابق من هذا الاسبوع: “يتعلق الأمر بمن سيحدد ويسيطر على النموذج والهندسة وجدول أعمال الجيل الخامس وسبب ذلك لان هذه التقنية هي المحيط الأزرق العميق للمجال السيبراني”.
وأضاف: “لذا هناك لعبة إستراتيجية كبيرة هنا، إنها أكثر أهمية من ممرات الشحن والقدرة على التحكم في مجالك الجوي الخاص، إنها واحدة من أهم المجالات الموجودة وهذا هو ما يدور حوله في النهاية”.
-
صراع على التريليونات من الدولارات
في عام 2035، من المتوقع أن تقوم الجيل الخامس بتمكين 12.3 تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي، وفقًا لـ IHS Markit.
هذا يعني أن المسألة لا تتعلق ببضعة مليارات من الدولارات الأمريكية بل التريليونات، والسيطرة عليها مهمة لبلدين يبحثان عن زيادة العائدات والناتج الداخلي الخام والرفاه لأمتهما.
هذا يفسر لنا أيضا لماذا ترغب بلدان أخرى مثل الإمارات والسعودية والإتحاد الأوروبي والهند أن يكون لها حصة جيدة ضمن هذه الكعكة، فالنفط والصناعات التقليدية لن تظل رئيسية مستقبلا.
-
لماذا الصين هي الأوفر للفوز بهذه المعركة؟
بالنسبة إلى Ganley، تم كسر النموذج الحالي لكيفية تخصيص موجات الراديو لشركات الجوال. في الوقت الحالي، ستنافس شركات الاتصالات في الولايات المتحدة على ما يسمى بالطيف من خلال عملية المزاد التي تجريها لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC). في البلدان الأخرى سيتحكم المنظم المناسب في المزادات الطيفية. هذا غالبا ما يؤدي إلى الهيمنة من اللاعبين الكبار الذين لديهم المزيد من المال لإنفاقه.
وأضاف أن هذا يقتل ابتكار الشركات الأوروبية التي قادت على مدار السنوات الماضية تقنيات الأجيال السابقة وتكنولوجيا الهاتف المحمول، في إشارة إلى نوكيا و اريكسون اللتان تراجعتا في مجال تقنيات الشبكات اللاسلكية لصالح هواوي و ZTE.
وأضاف أن هذا النموذج يناسب الصينيين بسبب الطبيعة من أعلى إلى أسفل لثاني أكبر اقتصاد في العالم. في نموذج المزاد، تتنافس الشركات الأمريكية بشدة ضد بعضها البعض للفوز بالعملاء. هذا يضرب أرباحهم وبالتالي قدرتهم على الاستثمار في الابتكار. ولكن في الصين حيث لا يوجد سوى اثنين أو ثلاث شبكات رئيسية تديرها الدولة تهيمن على السوق، فإن هذا النموذج ملائم للغاية إذ يمكنهم الاستمرار في العمل والاستثمار بسبب دعم الحكومة الصينية. وهذا قد يسمح لهم بالتقدم على شركات الاتصالات في الولايات المتحدة التي قد تكافح من أجل المنافسة عندما يتعلق الأمر باستغلال الجيل الخامس.
وقال غانلي إنه في حين أن العديد من شركات الاتصالات الأوروبية والأمريكية يمكن أن تموت، فإن الصين يمكن أن تدعم لاعبيها المحليين لعدة سنوات. هذا هو السبب في أنه وشركته Rivada Networks، يدعون إلى نموذج بالجملة لتخصيص الطيف، على غرار الطريقة التي يعمل بها سوق الكهرباء.
من الناحية النظرية، سيسمح النموذج لمزيد من اللاعبين بتقديم عروض أسعار للطيف عند الحاجة إلى تلبية الطلب، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أسعار أكثر ديناميكية.
-
كيف ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في قلب الطاولة؟
وليست شركة Rivada Networks هي الوحيدة التي تدعو إلى نموذج بالجملة لتخصيص الطيف، فقد ألمحت إدارة دونالد ترامب إلى هذه السياسة.
مستشار السياسات في مكتب السياسات العلمية والتكنولوجية بالبيت الأبيض، أكد في حديث له أن الحكومة تدرك أن الطيف “المشترك” يمكن أن يكون وسيلة لإطلاق الجيل التالي من شبكة الهاتف المحمول، ملمحا إلى نموذج الجملة.
ومن الواضح أن المستويات العليا لإدارة ترامب تفكر في نموذج سوق الجملة لتقنية الجيل الخامس، إذ قام براد بارسكال، مدير حملة ترامب في عام 2020، بالتغريد الشهر الماضي بأنه يعتقد أن هذا هو الطريق إلى الأمام.
وقال غانلي إن سباق تقنية الجيل الخامس يتحرك بسرعة، وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقديم نموذج بالجملة أو المخاطرة بالخسارة لصالح الصينيين.
وأضاف أنه يفضلنا فقط 13 شهرا على الفشل أو النجاح بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
-
الصين الأقرب للفوز؟
لقد أدرك أقرب حلفاء أميركا أن التهديد الذي تشكله الصين في مجال التكنولوجيا كبير للغاية. قال وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون فى حدث مؤخرا أن شركات التكنولوجيا الصينية قد تتفوق على نظيرتها الأمريكية قريبا.
وقال جونسون: “الصينيون على وشك الفوز. لقد حصلوا على الجيل الخامس، لقد وجدوا طريقة سيحصل الجميع على أشياء على أجهزتهم من خلال النظام الصيني وليس النظام الأمريكي”.
في حين أن الولايات المتحدة قد تراجعت ضد الصين، كان ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتطلع إلى ترك بصمته على الدول الأخرى من حيث الجيل الخامس. تعمل شركة هواوي على الضغط على السياسيين الأستراليين. وكشفت “فاينانشيال تايمز” أن العملاق الصيني كان أكبر راعٍ لرحلات خارجية للمشرعين الأستراليين.
ومؤخرا تعاونت الذراع البرتغالية لشركة الاتصالات Altice مع شركة هواوي لإطلاق شبكات الجيل الخامس 5G.
الرئيس التنفيذي لشركة أبحاث السوق Mobile Experts LLC، أكد على أن الصين تستعد لتكثيف إنتاجها من الجيل الخامس وأن الشركات الصينية بدأت في زيادة إنتاج المكونات الرئيسية مع مورديها.
وجاء في احدى المذكرات المنشورة ذات الصلة بهذا الموضوع: “سمعنا من 10 مزودين مختلفين على الأقل أنه من المتوقع الآن أن يبدأ تشغيل شبكات الجيل الخامس 5G في أوائل عام 2019، وليس في يوليوز 2019 كما كان مقررا من قبل. بالإضافة إلى ذلك قد تصبح الأرقام ضخمة بحلول نهاية عام 2019، مع نشر ما يكفي من محطات قاعدة 5G لتغطية ألمانيا خلال شهر ديسمبر”.
ومن غير المفاجئ أن طلبات براءات الاختراع من الشركات الصينية زادت بنسبة 13.4 في المائة على أساس سنوي مقابل زيادة بنسبة 0.1 في المائة بالنسبة للشركات الأمريكية، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة العالمية للملكية الفكرية.
وكانت شركتا هواوي و ZTE هما أكبر شركتين للبراءات في العالم، حيث سلطتا الضوء على الكيفية التي تتطلع بها عمالقة التكنولوجيا في الصين لبناء ترسانة من الملكية الفكرية.
قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالتحذير من شراء هواتف هواوي و ZTE ما هي إلا جزء من الحرب التجارية بين البلدين لكنها قضية ذات صلة بقوة بالصراع على تقنية الجيل الخامس 5G.
قد تفوز الولايات المتحدة في التضييق على الشركات الصينية في سوقها الرئيسية لكن ليس في أوروبا أو كندا أو الشرق الأوسط وأفريقيا وبقية العالم حيث تعمل الشركات الصينية على تقديم عروض جيدة لإدخال تقنية الجيل الخامس سريعا إلى هذه الدول.
نهاية المقال:
صراع التريليون دولار يقف وراء الحرب التجارية بين البلدين، وقد تكلمنا هنا عن كل شيء بهذا الخصوص ومنها من سيفوز في هذه المعركة وتفاصيل سباق نشر تقنية الجيل الخامس 5G.