كانت الصين أول دولة في العالم تتمكن من تجاوز عواقب الأزمة المالية لسنة 2008 رغم أنها تضررت من تراجع التجارة العالمية خلال الفترة التي تلت الكارثة التي انطلقت فصولها من وول ستريت.
وانتقلت مباشرة من المرتبة الثالثة عالميا على مستوى الإقتصاد إلى الرتبة الثانية متجاوزة اليابان في مختلف المجالات والقطاعات في سلسلة إعلانات حكومية وعالمية أكدت على أن الصين هي محرك الإقتصاد العالمي والأزمة المالية العالمية كانت فرصة لها للتأكيد على ذلك.
غير أن النظام المالي في الصين يعاني هو الآخر من ثغرات وعيوب عادة ما يطالب المراقبين الحكومة الصينية للتدخل من أجل معالجتها، وجاءت أزمة بورصة الصين عام 2015 لتشكل فرصة من أجل إصلاح الخلل.
حدث كل شيء بسرعة، حيث سريعا ما تمكنت هذه الأزمة من ضرب بورصة شنغهاي والإضرار بالشركات التي يتم تداول أسهمها فيها، لكن أيضا تحركت الحكومة الصينية على وجه السرعة وأنهت الأزمة في شهر واحد.
في هذا المقال سنتعرف على أزمة بورصة الصين 2015 ونتوقف عندها بشكل مفصل.
-
أسباب أزمة بورصة الصين 2015
تعودنا على أنه لا توجد أزمة بدون أسباب تصنعها، الأخطاء والثغرات في النظام المالي والممارسات السيئة عادة ما يتولد عنها الانتكاسات المالية.
ولا شك أن الصين تعاني من خلل مالي واقتصادي واضح، حيث اتجهت إلى الإقتراض خلال السنوات الأخيرة وقد شجعت المؤسسات والأفراد والبنوك على الاقتراض فيما ارتفعت الديون الداخلية والخارجية ووصل مجموع كل هذه الديون حينها إلى 28 تريليون دولار.
هذه الديون الهائلة في الواقع لا يستطيع الاحتياطي الرسمي الصيني الأكبر في العالم تغطية سوى 14 في المئة منها وهي التي تشكل 282 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وعملت الحكومة الصينية بعد الأزمة المالية لسنة 2008 على تقديم القروض للبنوك والمؤسسات المالية والشركات في قطاعات متعددة منها التصنيع والعقارات والإسكان والسياحة، وهذا لزيادة الاستهلاك المحلي في ظل تباطؤ التجارة العالمية والاستهلاك في الأسواق العالمية الأخرى، وقد نجحت هذه السياسة في زيادة فرص العمل بكثافة بينما الاستهلاك المحلي لم يتعافى كثيرا.
وتدرك الصين أن الصينيين يدخرون المال وهم من أكثر الشعوب التي تؤمن بأن الأوضاع الإقتصادية في المستقبل القريب ستكون سيئة عالميا ومحليا، بينما الحكومة الصينية تريد تشجيعهم على الإستهلاك وانفاق مدخراتهم لتحقيق نمو اقتصادي أفضل، وقد لجأت إلى العديد من الأساليب كان آخرها الترويج للربح الكبير من خلال الاستثمار في البورصة.
وبالطبع فقد تمكنت من جلب 200 مليون صيني للاستثمار في البورصة المحلية وهو ما رفع من قيمة الأسهم والمؤشرات بصورة كبيرة.
ولجأ الكثير من المستثمرين إلى الاقتراض من أجل الاستثمار في البورصة وهو السلوك السيء على الإطلاق والقاتل لمن يقوم به عادة، فيما خففت السلطات الصينية من قواعدها الصارمة لمنع مثل هذه السلوكيات وهذا لتحفيز النظام المالي وهو ما حول البورصة الصينية إلى فقاعة كبيرة لا تترجم حقيقة الوضع الاقتصادي الصيني الذي يمر بفترة حرجة نتيجة تراجع التصدير وتباطؤ التجارة العالمية.
-
متى اندلعت أزمة بورصة الصين 2015 ومتى انتهت؟
الفقاعات المالية مصيرها الإنفجار في النهاية، هذا ما حدث ابتداء من 12 يونيو/ حزيران 2015 حيث سبقته موجة تصحيح استبعد كثيرون أن تتحول إلى أزمة مالية جديدة.
مؤشر بورصة شنغهاي خسر الكثير بسبب هذه الموجة واستمر في الخسائر لسلسلة من الجلسات المتتالية على مدار شهر في ظل توجه المستثمرين إلى بيع أسهمهم.
ابتداء من 9 يوليو 2015 بدأ مؤشر شنغهاي المركب في استعادة عافيته، وبدأ رحلة التعافي مجددا بفضل الإجراءات الصينية.
-
الخسائر والأضرار من أزمة بورصة الصين 2015
خسرت البورصة الصينية على الأقل 20 في المئة من قيمتها، ونتحدث عن 2 تريليون دولار أمريكي على الأقل، وتقدر الخسائر حسب تقارير أخرى إلى أنها تجاوزت 3.5 تريليون دولار.
هذه الأموال تم سحبها من البورصة الصينية من الملايين من المستثمرين الذين أصيبوا بالذعر مع النتائج الاقتصادية المخيبة ووجود تقارير تؤكد أن الوضع الاقتصادي الصيني أسوأ مما تصوره السلطات هناك.
وأقدمت حوالي 500 شركة صينية على ايقاف تداولات أسهمها بسبب الانهيار الصاروخي لقيمتها، وقد تدخلت لجنة الأوراق المالية الصينية لإيقاف النزيف الهستيري.
وصفت العديد من المؤسسات المالية ساخرة الخسائر التي تكبدتها البورصة الصينية بأنها أكبر 15 ضعفا من حجم اقتصاد اليونان.
خسر مؤشر شنغهاي المركب أكثر من 1000 نقطة بصورة سريعة للغاية، وقد تأثرت البورصات العالمية التي خسرت هي الأخرى الكثير من مكاسبها منها البورصة الأمريكية ونظيرتها الألمانية واليابانية والبريطانية والفرنسية.
-
فقط 27 يوما وانتهت العاصفة السريعة
أكثر ما يميز النظام المالي والإقتصادي في الصين أنه موجه وعادة ما تتدخل الحكومة الصينية بشكل سريع لإعادة التوازن إلى الأسواق.
قرر بنك الشعب الصيني تقديم الدعم المادي لشركات الوساطة المالية وتشجيعها على اعادة شراء الأسهم وخلق موجة شراء جديدة تعيد للسوق توازنها.
بينما تحملت صناديق الاستقرار العبء الأكبر في هذه الأزمة من خلال شراءها للمزيد من الأسهم التي ظل المستثمرين يبيعونها.
وقرر مجلس الوزراء الصيني ضخ 40 مليار دولار لتحفز النمو الإقتصادي والتركيز على القطاعات التي تحتاج إلى المزيد من الدعم.
تعهدت 21 شركة سمسرة صينية كبرى بإنفاق 120 مليار دولار على شراء الأسهم للمساعدة في تحقيق الاستقرار في السوق بعد أن وجهتها الحكومة الصينية لفعل ذلك.
وأقدمت السلطات على تضييق الخناق على استخدام WMPs لتمويل الاستثمارات في سوق الأسهم وقررت القضاء على التهرب من قيود التداول بالهامش.
نهاية المقال:
27 يوما من الجحيم عاشتها البورصة الصينية وتأثرت البورصات العالمية بما يحدث في شنغهاي، كل شيء حدث بسرعة، الإنهيار الذي تسبب في خسارة البورصة لأكثر من 2 تريليون دولار والإجراءات الصينية لشراء الأسهم مجددا وإيقاف النزيف.
هزمت السلطات الصينية الأزمة سريعا لكن نجحت هذه الأخيرة في كشف عيوب النظام المالي الصيني، وتركت برحيلها رسالة من ثلاثة كلمات فقط، أنا مجرد إنذار!