تواجه تركيا أزمة مالية خلال السنوات الأخيرة، تتصاعد حدتها من وقت لآخر وتختفي اعلاميا لفترة قبل أن تعود إلى الواجهة مع كل انهيار تتعرض له الليرة التركية.
الإقتصاد التركي لم يعد قويا كما كان من قبل، فقد تراجع بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة وهذا بسبب أسباب داخلية وخارجية.
في أدنى مستوى لها، تم تداول الليرة عند 6.801 مقابل الدولار الأمريكي وهو انخفاض كبير من 5.54 في نهاية تداول وول ستريت يوم الخميس.
وتراجعت الليرة التركية أمس الجمعة في أكبر انخفاض لها في يوم واحد منذ الأزمة المالية في تركيا عام 2001.
تسبب هذا الهبوط في ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والإيجارات في جميع أنحاء البلاد، رفعت شركة خطوط الأنابيب الحكومية سعر الغاز الطبيعي المستخدم في إنتاج الكهرباء بنسبة مذهلة بلغت 50٪ الأسبوع الماضي.
وفي هذا المقال سنتطرق بشكل عام إلى أسباب الأزمة الراهنة والتي يمكن القول بأنها تعود إلى الإضطرابات المالية التي تشهدها تركيا خلال السنوات الأخيرة.
-
رفض الرفع من سعر الفائدة
يرفض حزب العدالة والتنمية الرفع من سعر الفائدة، ويرى أن التخفيض منها هو أقل ضررا بالنظر إلى أن الدين الإسلامي يحارب الربا أو الفائدة إجمالا ويعتبرها ظلم للمقترضين والفقراء والمجتمع.
ويتوافق هذا أيضا مع المدرسة الكينزية التي أسسها البريطاني جون كينز في أواخر عشرينيات القرن الماضي عندما والذي توصل إلى ضرورة إلغاء أسعار الفائدة لأنها الشر الأكبر الذي يجلب الأزمات المالية.
ورغم أن البنك المركزي التركي يعمل على الرفع منها من أجل دفع المستثمرين إلى انفاق أموالهم على الإستثمار في القروض والبورصة والإبتعاد عن الإدخار وهو لا يستمع إلى توجيهات الرئيس التركي، إلا أن حرب الأخير على المؤسسة المالية التي تنضم النظام المالي في البلاد يزيد الطين بلة.
-
عجز الحساب الجاري
مع نهاية شهر ماي 2018 بلغ إجمالي العجز في الحساب الجاري 57.6 مليار دولار مقارنة بحوالي 36.2 مليار في ماي 2017.
هذا يعني ان حجم الحوالات النقدية الخارجة من تركيا أكبر بكثير من حجم الحوالات إلى هذا البلد، وهو ما يعني أن المزيد من الأشخاص يعملون على نقل أموالهم إلى خارج البلاد في ظل الظروف الإقتصادية والسياسية التي تعيشها بما فيها الصراعات السياسية الداخلية مع المعارضة والأكراد والخارجية مع كل من أوروبا والخليج العربي وحتى سوريا والولايات المتحدة الأمريكية.
-
عجز الميزان التجاري
تتفوق الواردات إلى تركيا على الصادرات نحو الدول الأخرى، في ظل العلاقات المتأزمة لهذا البلد خلال السنوات الأخيرة مع مختلف الدول والشركاء الإقتصاديين.
تضاعف عجز الميزان التجاري من 43 مليار دولار في النصف الأول من 2017، ليصل إلى قرابة 70 مليار دولار مع نهاية النصف الأول من 2018.
خسرت تركيا شريكا استراتيجيا ومميزا خلال السنوات الأخيرة تمثل في سوريا التي شكلت بوابة للسلع التركية نحو الشرق الأوسط، ومن المعلوم أن الحكومة التركية وقفت إلى جانب اسقاط النظام السوري فخسرت بذلك المليارات من الدولارات وأصبح حدودها مع سوريا مصدرا للمشاكل والمتاعب.
من جهة أخرى نشب صراعات سياسية تركية مع الإتحاد الأوروبي على خلفية العديد من القضايا وهو ما يؤثر سلبا على التبادل التجاري.
وتعد الأزمة الديبلوماسية التركية الأمريكية الأخيرة إضافة أخرى نحو قائمة من النزاعات السياسية التي تقوض من التنمية الإقتصادية والتبادل التجاري مع الدول الأخرى.
-
ارتفاع الدين العام
وصل حجم الدين العام في تركيا إلى 453.2 مليار دولار مع نهاية 2017، وتضاعفت ديون الشركات التركية بصورة متسارعة خصوصا في ظل تراجع أسعار الفائدة وهو ما يشجع الشركات على الإقتراض.
ومن شأن الرفع من أسعار الفائدة ان يدفع الشركات إلى التقليل من الاقتراض والعمل على التخلص من ديونها بشكل عام.
-
الظروف السياسية في الشرق الأوسط وتركيا
تدخلت تركيا في الحرب الأهلية السورية كما أنها أقدمت على مهاجمة الأكراد في كل من شمال سوريا والعراق، وعلاقتها متوترة مع دول الخليج العربي خصوصا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولديها أيضا علاقة متوترة مع مصر.
ولدى تركيا علاقة مد وجزر مع ايران وروسيا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وصراعات أخرى سياسية في محيطها الواسع.
هذا يجعل هذا البلد معرضا للحروب الإعلامية من الخصوم، إضافة إلى حروب تجارية واقتصادية، وقد عملت بعض تلك البلدان على التقليل من استيراد السلع التركية أو حتى محاربتها.
نهاية المقال:
تبدو هذه الأسباب كافية لضرب العملة التركية وتعريض الإقتصاد التركي لمخاطر كبيرة، المؤكد أن التضخم في تزايد وأسعار السلع والمعيشة تتزايد بشكل متسارع في هذا البلد المتورط في صراعات سياسية مع الجيران إلى أبعد الدول حول العالم!