يوما بعد يوم تزداد الأمور سوءا في الجزائر، البلد الذي يصدر النفط والغاز وتشكل معظم صادراته، والذي رفضت حكومته تغيير سياساتها الداخلية والخارجية.
أزمة الحليب هي أحدث مظهر للأزمة الإقتصادية في الجزائر، وهي تدل على أن البلد المترامي الأطراف في شمال أفريقيا يعيش حالة خانقة فعلا اقتصاديا وماليا وهو أمر لم يعد خفيا على الداني والقاصي.
منذ أسابيع عاشت العديد من المدن الجزائرية حالة نقص الحليب المتوفر في المتاجر، والطلب أعلى بكثير من العرض، كما أن الجهات المنظمة لجأت إلى تنظيم التوزيع بحيث حددت كميات محددة للأسر لا تتجاوز في أفضل الأحوال 1 لترا من الحليب.
والحقيقة أن هذه الأزمة لم تحدث هذه المرة فقط بل مرات عديدة خلال الأشهر الماضية، وكل مرة بسبب سيناريو معين، لكن هذا يدل على ان مادة حيوية غير موجودة في هذا البلد.
تبدأ الأزمة التي ظهرت بشكل بارز مجددا في الأيام والأسابيع الأخيرة، بعد قيام وزارة الزراعة بمعية ديوان الحليب بإبرام اتفاقية تقضي بقبول تخفيض الكميات الموزعة بعد اتخاذ الحكومة قرار تقليص استيراد مسحوق الحليب (المادة الأولية) ما يعني تراجع نشاط موزعي الحليب في البلاد.
وتدعم الدولة سعر الحليب بحوالي 15 دينارا يحث حُدد سعر الكيس الواحد سعة لترٍ واحدٍ بـ25 دينارا (23 سنتا أميركيا)، 24 دينارا لخزينة ديوان إنتاج الحليب، ودينار واحد لموزع الحليب، في حين يبلغ سعر الحليب غير المدعم بين 50 دينارا و100 دينار.
وتزداد احتياجات الأسر الجزائرية واستهلاك الحليب بينما الإنتاج الوطني ضعيف جدا، وأرباح المنتجين ضعيفة، خصوصا مع انهيار الدينار الجزائري وهو عامل يضغط على الأسعار ويدفع التجار لزيادتها، غير أن الحليب مادة أساسية ومدعومة ومتفق على سعرها، لهذا يتجه الموزعين والمنتجين إلى الإضراب ومطالبة الدولة برفع الأسعار ليرتفع هامش الربح الذي يتعرض للتآكل مع استمرار الأزمة الاقتصادية.
تحتاج الجزائر إلى نحو 5 مليارات لتر من الحليب سنوياً، بينما الإنتاج المحلي لا يتجاوز 800 مليون لترا في السنة، وهو رقم ضعيف مقارنة بالإحتياجات.
وكانت وزارة التجارة الجزائرية قد تعهدت قبل عام بالضبط، بإنهاء الأزمة من خلال “وضع نظام إلكتروني يرصد مسار كيس الحليب من المصنع إلى المستهلك”.
وللأسف لم يتم تنفيذ المشروع الإلكتروني، فيما تكشف توجهات الدولة الجزائرية تمسكها بالإقتصاد الشمولي الذي يعتمد على تدخلها ودعمها المباشر وإدارتها للأمور.
ويقال أن هناك بعض الجهات التي تشتري مسحوق الحليب المدعوم وتبيعه للشركات الخاصة والتي تستخدمه في صناعة المشتقات من الحليب مثل الزبدة والقشدة وما إلى غير ذلك، لأن العملية مربحة لهم، وليس من مصلحتهم توجيه أغلب مسحوق الحليب لإنتاج الحليب المدعوم.
وتقول الشركات في قطاع إنتاج الحليب ومشتقات الألبان، ان هناك الكثير من التحديات التي تجعل دعم الحليب في الوقت الحالي غير مجدي، لعل أبرزها هو انهيار الدينار ما يؤثر على هامش الأرباح.
خلال 2020 ارتفعت أسعار الكثير من المواد الإستهلاكية، منها العجائن بنسبة 40%، واللحوم بنسبة 2.7%، ومشتقات الألبان بنسبة 15%، وأسعار الأجهزة بنسبة 40%، وقطع الغيار بنسبة 50%.
هامش الربح القليل من الحليب لا يستطيع في الواقع تغطية المشاكل اللوجستية بما فيها مرور تاريخ صلاحية الحليب، وكذلك ثقب الأكياس والتي لا تصلح للبيع فيما بعد.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أنفقت العام الماضي 1.1 مليار دولار على استيراد مسحوق الحليب، مقارنة مع 1.5 مليار دولار أنفقتها عام 2019.
وفي ظل توجهها إلى تقليل تكاليف الدعم الحكومي فإن ذلك سيؤرق المستهلكين والمواطنين الذين يجدون أسعار المواد الأساسية ترتفع بقوة.
إقرأ أيضا:
الجزائر والرهان على النفط: عندما يستنجد الغريق بغريق آخر
لا يا صبري بوقادوم الجزائر ليست دولة قوية
لماذا فشلت صناعة السيارات في الجزائر ونجحت في المغرب؟
انهيار اقتصاد الجزائر … فنزويلا أم سوريا جديدة؟
موعد نضوب النفط في الجزائر وبدء استيراد الغاز