شي جين بينغ على خطى ماو تسي تونغ نحو الإشتراكية الفاشلة

شي جين بينغ على خطى ماو تسي تونغ نحو الإشتراكية الفاشلة

كمراقب للصين يمكنني رؤية الرئيس شي جين بينغ الذي حصل على حق البقاء في السلطة للأبد، يسير على خطى الزعيم المتهور ماو تسي تونغ الذي ترك الصين وراءه بلدا فاشلة.

والحقيقة أنه منذ بداية أزمة كورونا أظهر شي جين بينغ ميولاته الفكرية نحو مدرسة ماو تسي تونغ، ليبتعد بشكل واضح عن مدرسة مهندس الإصلاحات الصينية دينغ شياو بينغ.

هناك فرق كبير بين المدرستين، الأولى شيوعية بقيم اشتراكية تمارس التحكم وتحارب الأغنياء وتسعى إلى تحقيق المساواة في الدخل، والثانية شيوعية بقيم رأسمالية برغماتية تؤمن بحرية التجارة وممارسة الأعمال.

خلال الأسبوع الماضي نشر لي غوانغمان مقالة أكد فيها أن الصين تتجه إلى ثورة ثقافية جديدة للسيطرة على التطور الذي الكبير، والعودة إلى أسس الإشتراكية والإبتعاد عن الرأسمالية، لتعيد الصحف والمنصات الحكومية نشرها.

تعد هذه المقالة صادمة لمن لا يفهم تحركات الصين منذ أكثر من عام، وبالنسبة لي، كان واضحا لي أن الرئيس الجديد يبتعد عن المدرسة التي جعلت من الصين معجزة اقتصادية ويعود إلى مدرسة منغلقة اتضح فشلها من قبل.

لا تعترف الحكومات الصينية المتعاقبة بأن الثورة الثقافية فشلت، وأن ماو تسي تونغ قد تسبب في مقتل الملايين من الصينيين، خصوصا 50 مليون انسان ماتوا في المجاعة التي جاءت بسبب تهوره في اصلاح الزراعة من خلال قتل الطيور والحشرات والفئران التي كان يقول أنها تهدد الفلاحة الصينية.

اليوم في ظل وجود زعيم صيني متأثر بالأفكار الإشتراكية للزعيم الذي واجه الاحتلال الياباني وقام ببناء جمهورية الصين الشعبية، ينبغي أن لا يشعر المستثمرين ورجال الأعمال بالإرتياح.

فالرأسمالية رغم كل عيوبها، تتيح حرية تنقل البضائع والإنتاج وتعطي للناس حرية إنشاء المشاريع والشركات الناشئة والإستثمار على عكس الإشتراكية التي تمنح الدولة الأدوات وتوظف الشعب كموظفين برواتب محددة.

عندما تولى شي جين بينغ قيادة الحزب الشيوعي في أواخر عام 2012 وأعلن أن “الاشتراكية فقط هي التي يمكن أن تنقذ الصين”، تم تجاهل ذلك إلى حد كبير باعتباره ذكرًا روتينيًا لشعار عفا عليه الزمن، لا ينبغي أن يؤخذ حرفيًا في الإقتصاد المعاصر الذي يعتمد على السوق.

لكن التحركات الكاسحة في السياسة الجديدة من الإجراءات الصارمة ضد شركات الإنترنت، والتعليم الربحي، والألعاب عبر الإنترنت، وتجاوزات سوق العقارات، إلى إصدار “الرخاء المشترك” تُظهر جدية شي في إعادة الصين نحو جذورها الاشتراكية.

ومن خلال تحركاته وسياساته يسعى شي إلى القضاء على تجاوزات الرأسمالية وطرد التأثيرات الثقافية السلبية للغرب، ومحو الكثير من الأمور التي قام مهندس الإصلاحات الصينية دينغ شياو بينغ باستقطابها إلى هذا البلد.

هذا الجهد الذي يلامس كل شيء بدءًا من المناهج المدرسية بما في ذلك الدراسة المطلوبة حديثًا عن “فكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، أزعج المستثمرين ورجال الأعمال ومنحهم إشارات حمراء عن ضرورة تجاهل السوق الصينية وان كانت ذات إمكانيات عظيمة وسيأتي الإستثمار فيها بأرباح ضخمة.

أشهر ضحية للحكومة الصينية هو رجل الأعمال جاك ما، الذي تعرض لحملة ممنهجة من الحكومة الصينية أدت إلى انهيار القيمة السوقية لمجموعة النملة، من 235 مليار دولار إلى 76 مليار دولار فقط، كما أنه أصبح غير مرغوب فيه بالإعلام الصيني ونادرا ما يظهر للعلن في الأشهر الأخيرة.

تصاعد حملة تدقيق الجهات التنظيمية الصينية بشأن ثروات المليارديرات في البلاد، تؤكد النهج الصيني الجديد، والذي يعيد البلاد إلى حقبة الإشتراكية، حيث يتم تقزيم دور رجال الأعمال والمستثمرين أو تغييبهم، لتحل الدولة محلهم، والتي تعمل على التقليل من الفوارق الاجتماعية.

لكن صحيفة الشعب اليومية الرسمية سعت لطمأنة القطاع الخاص بأن الدعم له “لم يتغير”: الإجراءات التنظيمية الأخيرة كانت تهدف إلى “تصحيح نظام السوق”، وتعزيز المنافسة العادلة، وحماية حقوق المستهلك، لكنها لم تنفي أن البلد تستفيد من الإشتراكية لتصحيح الوضع.

خسر سوق هونغ كونغ، حيث تم إدراج العديد من شركات التكنولوجيا الصينية المستهدفة من قبل الحملة، أكثر من 600 مليار دولار من حيث القيمة منذ يوليو بسبب اللوائح الجديدة التي تشدد القيود على أنشطة الشركات.

هذه الخسائر تعزز من تفوق البورصات اليابانية والأمريكية على نظيرتها الصينية التي تشهد هجرة للمستثمرين منها، وفي هذا الوقت هناك تحذيرات بالفعل من الإستثمار في الشركات الصينية لأن الأمور قاتمة.

لقد شرع شي في معالجة المشاكل التي تسبب القلق لعامة الناس مثل المسؤولين الفاسدين والفجوة بين الأغنياء والفقراء، لكن حملته تلك تحدث الآن على حساب شريحة مهمة هي التي تملك الشركات وأدوات الإنتاج وتوظف الملايين من الصينيين.

يحدث كل هذا في وقت تنفجر فيه الكثير من الفقاعات المالية في الصين، أولها دوري كرة القدم الذي شهد افلاس الكثير من الأندية، ومن ثم انفجار فقاعة البورصات الصينية وقطاع العقارات.

وتعد هذه ضربات قوية لبلد ينافس الولايات المتحدة الأمريكية على الريادة، وعلى ما يبدو فإن واشنطن ودول الغرب ستستمر طويلا في المقدمة، لأن المستثمرين ورجال الأعمال والعقول الصينية النيرة ستهاجر إلى تلك الدول، وما بهجرة شركات تعدين بيتكوين الصينية ببعيد عنا.

وبالحديث عن بيتكوين، فإن كل الحكومات لديها مخاوف، لكن الصين حسمت الموضوع وقررت أن تحارب بيتكوين وعمليات تعدينها وخسرت ميزة مهمة كانت تملكها من قبل، لكن الأهم أنها خسرت صناعة جديدة ستدر التريليونات من الدولارات على الإقتصاد الصيني.

خطوات شي وان كانت في قالبها الاجتماعي وردية وجذابة، إلا أن قمعها لرجال الأعمال والمستثمرين والتضييق عليهم هو أمر خطير وسيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة لبكين مستقبلا.

إقرأ ايضا:

أزمة إيفرجراند Evergrande وتكرار سيناريو ليمان براذرز 2008

حقائق عن فقاعة إيفرجراند Evergrande التي ستدمر الصين

بداية نهاية هيمنة الصين على الرياضات الإلكترونية

شاومي وعلي بابا ورهان الصين على السيارات ذاتية القيادة

لماذا تحارب حكومات الصين وأمريكا شركات التكنولوجيا الكبرى؟

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز