خبيث يجلب الرخاء الإقتصادي أفضل من صالح تهزمه الأزمات

economy
الرخاء الإقتصادي أهم شيء بالنسبة للشعوب … هل هذا واضح؟

يزعجني عندما أرى في الإنتخابات الرئاسية بعدد من البلدان العربية ومنها بلدي المغرب صراع الخلفيات الدينية والثقافية بين الأحزاب، هذا حزب اسلامي وذاك علماني متفتح و آخر اشتراكي أو شيوعي ولا نهاية لهذه التصنيفات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

الكثير من الأحزاب السياسية والعديد من التحالفات التي تضم الأحزاب المتقاربة في مصالحها ووجهات نظرها، وكلها تلعب نفس اللعبة الخبيثة، محاولة اقصاء الآخر سواء بتكفيره أو باتهامه بالرجعية والتخلف أو لأي سبب آخر وهو ما يهدد الشعوب العربية المنقسمة بالمزيد من الإنقسامات وبالتالي تهديد وحدة المجتمعات والسلم الأهلي وبدون شك فإن الفتنة أشد من القتل.

أعتقد بناء على هذا الأساس أن الأحزاب بمختلف خلفياتها ومعتقداتها الدينية والثقافية عليها أن تعمل في إطار الأهداف السياسية والإقتصادية بعيدا عن صراع الأديان والطائفية الذي يشكل تهديدا كبيرا للمجتمعات التي نعيش فيها، وبما أن الأحزاب السياسية مثلا بالمغرب كلها تؤمن بأن الدين الرسمي في المغرب هو الإسلام فلماذا كل هذا الجدل والصراع في الواجهة بين الإسلاميين والعلمانيين على سبيل المثال لا الحصر؟

لا أجد جوابا لضرورة هذا الصراع، كنت أطمح لأرى الأحزاب المختلفة تناقش في الإقتصاد وتضع ضمن أولوياتها بصدق تحقيق العيش الكريم للشعب وتكشف عن المنهجية التي ستتبعها لتحقيق ذلك وليس فقط مجرد شعارات رنانة تستخدم من انتخابات إلى أخرى كزي مخصص فقط للمناسبات.

وفي ظل الأوضاع الحالية التي يعيشها الإقتصاد العالمي والمحلي، ونسب البطالة المرتفعة وانخفاض القدرة الشرائية والديون المحلية الكبيرة وتحديات تحرير سعر الصرف ورفع الدعم الذي توجهت إليه العديد من البلدان لتخفيف الضغط على الميزانية لا بد من أحزاب سياسية مسؤولة تعرف جيدا متطلبات الوقت والرئيس من الأفضل أن يكون رجل أعمال ذات تجربة عميقة في عالم الأعمال و الإقتصاد وليس فقط خريج الجامعة السياسية أو شخصا يسعى للسلطة من أجل الثراء على حساب الشعب.

الرجل الذي سيقود أي بلد ديمقراطي في هذا الوقت عليه أن تكون فيه هذه الصفات وأن يكون الحزب الذي ينتمي إليه ذات كفاءة في ادارة الشؤون الإقتصادية وحل الأزمات المالية التي تواجه الإقتصاد المحلي في ظل اقتصاد عالمي هش لم يتخلص بعد من الأزمة المالية لسنة 2008 ويعاني من الركود ونسب النمو القليلة وصعوبات جمة تجعل التعافي والرخاء بعيدين.

في عالمنا هذا وفي مختلف البلدان العربية والأوروبية والدولية العالم بحاجة إلى حكومات مسؤولة وتدرك أن الإقتصاد العالمي يمكن أن ينهار في أي لحظة وهذه المرة ستكون الصفعة أقوى بأضعاف المرات من صفعة الأزمة السابقة وسينتج عنها الملايين من الناس الذين سيجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها بدون وظائف ولا دخل مادي ولك أن تتخيل النتائج، المزيد من الإحتجاجات والمواجهات مع الحكومات والصراعات الأهلية وحالة من الرعب فالأمان هو الإقتصاد الذي يوفر الوظائف والرخاء والعيش الكريم والذي يضمن للجميع فرص عمل حسب اجتهادهم وتخصصاتهم.

ما أريد ان أقوله هو أن الخلفيات الثقافية والدينية لا تلعب أي دور في قدرة حزب أو حاكم معين على تجاوز الأزمة المالية وإصلاح المشاكل الإقتصادية المختلفة، وبشكل مختصر “خبيث يجلب الرخاء الإقتصادي أفضل من صالح تهزمه الأزمات”، فقد يحكم شخص ديكتاتوري متفرد بالسلطة ولكن البلاد في عهده تنعم بالرخاء الإقتصادي وهناك الكثير من الأمثلة من تاريخ الدول في عالمنا العربي التي تؤكد هذه الحقيقة وأيضا في بلدان أجنبية مثل فنزويلا هوغو تشافيز أو حتى الصين التي يحكمها الحزب الشيوعي منذ تأسيس الجمهورية الشعبية عام 1949 والذي يعد أفضل مثال بالوقت الحالي على أن الحزب الواحد ليست فكرة سيئة كما تروج لها الآلة الإعلامية الأمريكية، المهم أن يوفر هذا الحزب العدالة للأفراد ولا يميز بين فئات المجتمع ويبذل جهدا في التقدم الإقتصادي وتوفير الرخاء للشعب ومحاسبة أي مسؤول متورط في الفساد والحرص على تطوير التعليم وهو المعمول به في الصين التي وصلت إلى أفضل المراتب في مختلف المجالات وأضحت غريما حقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية متجاوزة اليابان و القارة العجوز أوروبا في الإقتصاد ومجالات كثيرة.

وقد يكون الرئيس شخصا طيبا ومن حزب يؤمن بتداول السلطة وديمقراطي فعلا ويتمتع بالقبول والمحبة ورغم ذلك إذا فشل في الإقتصاد وتأزمت الأوضاع المعيشية سينفجر الشعب وسيجد هذا الأخير نفسه في مواجهة الحكومة التي انتخبها وقد حدث هذا في عدد من الدول وواحدة منها هي احتجاجات اليونان 2011 على خلفية الأزمة الإقتصادية والتي غيرت من المشهد السياسي هناك ورأينا أيضا أمرا مشابها في ايطاليا خلال تلك السنوات.

 

نهاية المقال:

لم يكن أبدا طبيعة النظام السياسي في بلاد معين أو خلفية الحزب الحاكم والمعتقدات التي يؤمن بها معيارا لتحديد نجاح البلد أو فشله، لقد كان ولا يزال الإقتصاد أهم شيء بالنسبة للشعوب التي تختصره في مستوى المعيشة وايجاد فرص العمل وحرية انشاء الشركات والمنافسة وتحقيق العدالة الإجتماعية.

وعلى مدار التاريخ رأينا أنظمة ديكتاتورية متفردة بالحكم استطاعت أن توفر الرخاء لشعوبها والتي دافعت عن الحزب الحاكم وأيدت بقاؤه في السلطة ولنا في الشيوعية الصينية أفضل نموذج للحزب الواحد الذي يحارب الفساد المؤسساتي واستطاع تحويل بلد ضخم بالسكان إلى معجزة اقتصادية ينظر العدو قبل الحليف إليها بالإحترام، فيما رأينا أيضا أن ديمقراطيات الغرب ترنحت بعد فشل الحكومات في حل الأزمة المالية لسنة 2008 فبين احتجاجات اليونان 2011 وايطاليا التي سقطت فيها الحكومات المنتخبة والتي فشلت اقتصاديا وبين الإنتخابات التي أطاحت بالأحزاب الحاكمة في دول أخرى هناك يتبين أن الإقتصاد هو الموضوع الحاسم لبقاء أو نهاية نظام سياسي، ما يعني أن الاعتقادات السياسية والدينية تظل هراء ولا وزن لها خصوصا في أوقات الأزمات المالية التي تعصف بالجميع والتي لا تميز بين الصالح والطالح ولا بين الإسلامي والعلماني.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

التعليقات مغلقة.