كيف اندلعت الأزمة المالية لسنة 2008؟ وما هي أزمة الرهن العقاري؟

congress-stock-crash-2008

لا يمكنك فهم الظروف الإقتصادية الحالية التي يمر منها العالم دون الوقوف عند الأزمة المالية لسنة 2008 والتي غيرت المشهد الإقتصادي العالمي بصورة كبيرة وحاسمة.

ولطالما عان الإقتصاد العالمي من الأزمات المالية لكن تلك التي اندلعت بشكل رسمي سبتمبر 2008 كانت الأسوأ منذ كساد 1929، وبالطبع كلاهما انطلق من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد رأس الإقتصاد العالمي وأساسه رغم منافسة اقتصادات أخرى لها مثل الصين واليابان و الإتحاد الأوروبي.

وبالطبع لا يمكنك فهم هذه الأزمة قبل التعرف أيضا على أزمة الرهن العقاري وهو مصطلح شائع، من المؤكد أنك تسمع به عند تناول الأخبار الإقتصادية لهذه القضية.

وفي هذا المقال نحاول ان نتعرف على الأزمتين وما علاقتهما ببعضهما؟ كيف تسببت أزمة الرهن العقاري في اندلاع الأزمة المالية العالمية وما هي أبرز محطاتهما؟

 

  • أزمة الرهن العقاري : بداية تشكل الفقاعة سنة 2004 وانفجارها عام 2007

عودة إلى سنة 2004 حيث عملت بنوك وول ستريت التجارية على منح قروض عالية المخاطر وكبيرة التكلفة أيضا للمواطنين الأمريكيين ذوي الدخل المحدود والذين لا تساعدهم رواتبهم ومداخيلهم على شراء العقارات والمنازل كنوع من التساهل وايضا لتشجيع الأمريكيين على شراء المنازل وهو ما ساعد الشركات العقارية بالفعل على تحقيق عائدات كبيرة خلال الفترة الممتدة ما بين 2004 و بداية عام 2007.

وبفضل الإقبال الكبير على شراء العقارات والمنازل تنافست البنوك في تقديم عروض قروض مغرية بتساهلات أكبر كسعي منها لحصد المزيد من العملاء وتقدم البنوك المنازل بأثمان باهظة حيث تشمل سعر الفائدة فيما يمكن للفرد بتسديد ثمنها على أقساط شهرية لآجال طويلة تتراوح بين 20 عاما إلى 30 عاما.

وبناء على هذه المعاملة يعمل المواطن الأمريكي المشتري للعقار عن طريق قرض من البنك التجاري على تقديم ضمان وهو الرهن العقاري، ويعني أن المنزل الذي اشتراه في حالة لم يستطع مستقبلا تسديد سعره كاملا يصبح من حق المقرض بيع ملكيته المرهونة ليسترد أمواله.

وبما أن اسعار المنازل والعقارات ترتفع بشكل متواصل في هذه الفترة لم يكن ذلك أبدا مشكلة بالنسبة للسماسرة وأيضا البنوك التي تعوض عجز المقترض عن سداد تكلفة المنزل الذي اشتراه من خلال اعادة بيعه لآخر بسعر أعلى أيضا في ظل الطلب المرتفع على العقارات والذي يضمن استمرار هذا الوضع الجيد.

ولأن المستثمرين يطمعون في تحقيق المزيد من الأرباح فقد دفعوا المؤسسات المالية إلى تقديم عروض شراء العقارات عن طريق الرهن العقاري بتسهيلات أكبر وبشكل أسرع ودون الحاجة لدفع أي شيء في البداية وبوثائق أقل، وهو ما جعلها تستهدف أيضا المواطنين الفقراء ومنهم أيضا ذات السجلات الضريبية والمصرفية التي بها سوابق مثل اشهار الإفلاس على سبيل المثال لا الحصر، ما جعل القروض في هذه الحالة عالية المخاطر ورحب بها المستثمرون والبنوك كونهم يعوضون الخسائر بعد كل اشهار افلاس جديد والعجز عن تسديد تكلفة العقار من خلال بيع العقار نفسه بسعر أعلى في ظل الطلب المرتفع عليه.

بالنسبة للمستثمرين فهم يعملون على شراء قروض الرهن العقاري من البنوك والمؤسسات المالية كونها مربحة جدا ثم يقوموا هؤلاء بتوريق هذه القروض وجعلها أموالا قابلة للتداول بها في البورصة لتقوم بنوك الاستثمار فيما بعد  بتجميع هذه الاوراق المالية المدعومة برهونات العقارية في ما يسمى ب CDO اختصارا لمصطلح Collateralized debt obligation أو ما يدعى أيضا إلتزام الدين المكفول.

التزام الدين المكفول مقسم إلى ثلاثة تصنيفات للأوراق المالية الأولى آمن – مقبولة – محفوفة بالمخاطر لتبيعها بأسعار مرتفعة لأجل الربح وبالطبع تسدد ديونها وتحقق أرباحا مرتفعة.

وبالنسبة لهؤلاء الذين قاموا بشراء الأوراق المالية فقد سارعوا إلى تأمينها عن طريق مبادلة مخاطر الائتمان CDS لدى شركات التأمين وهو ما ورط هذه الأخيرة في فقاعة الرهن العقاري.

 

  • أزمة الرهن العقاري: إنفجار الفقاعة أخيرا

في فبراير 2007 لم يتمكن الكثير من الأمريكيين الفقراء الذين حصلوا على منازل من تسديد الدفعات الشهرية المنتظرة منهم وهي نتيجة منطقية لجشع البنوك التجارية التي وسعت الرهن العقاري ليكون متاحا أيضا للفقراء وللجميع دون شروط ودون ضمانات أو وثائق عمل فالضمانة هي المنزل نفسه الذي ستأتي وتخرجك منه كمواطن عاجز وتبيعه.

ومع حدوث المئات من الحالات ازدادت المنازل المعروضة للبيع وأصبح العرض أكبر من الطلب لتتراجع أسعار العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما دفع أيضا حتى الميسور حالهم للتوقف عن الدفع الشهري لأن ما يدفعونه شهريا أعلى بكثير مما يدفعه من حصلوا على منازل حديثا بسبب تراجع أسعارها.

وابتداء من ربيع العام نفسه أعلنت العديد من المصاريف المتخصصة افلاسها بسبب تراكم الديون عليها وانتهاء “الرخاء الجنوني” الذي كانت تعيشه.

ورغم تدخل المصارف المركزية لدعم سوق السيولة وتدخل البنك المركزي إلا أن أسهم البنوك والمؤسسات المالية تنهار في البورصة، والعشرات منها تشهر افلاسها.

 

  • الأزمة المالية لسنة 2008: المصارف والبنوك الأمريكية والعالمية في خطر

النظام العالمي مترابط بشكل كبير وهذا ما يجعل انتقال الأزمة من بلد إلى آخر ممكن وبسرعة هائلة أيضا، وبالطبع العديد من البنوك والمصارف الأمريكية تخسر على مستوى العائدات وأيضا غرقها بالديون جراء فشلها في اعادة بيع المنازل لآخرين وتزايد عدد من أشهروا افلاسهم، بل وأيضا قام الكثيرون بحرق المنازل التي حصلوا عليها جراء غضبهم الدفع الشهري الباهض رغم تراجع أسعار العقار.

في هذا الوقت العصيب دخلت المصارف والبنوك الأوروبية والعالمية إلى دوامة الأزمة المالية خلال 2008 حيث الكثير منها لديها الأموال والاستثمارات في البنوك الأمريكية التي أعلنت افلاسها، كما أنها أيضا قامت بإقراض الأموال للبنوك التجارية والإستثمارية التي شاركت في الرهن العقاري مقابل الحصول على عائدات وأرباح من تلك الصفقات.

17 فبراير 2008 أي بعد عام من اندلاع أزمة الرهن العقاري تدخلت الحكومة البريطانية لتأميم بنك Northern Rock فيما استغلت بعض البنوك القوية الأزمة للإستحواذ على بنوك منافسة لها مثلJPMorgan Chase الذي استحوذ على Bear Stearns بمساعدة الإحتياطي الفيدرالي وذلك خلال شهر مارس من نفس العام.

من جهة أخرى أقدم مصرف UBS السويسري على شطب 40 مليار دولار من اصوله لتكون هذه أكبر خسارة بالنسبة له.

15 سبتمبر أعلن بنك الأعمال ليمان براذرز افلاسه بشكل رسمي لتكون ضربة قوية للإقتصاد الأمريكي والعالمي نظرا إلى حجمه ولولا تدخل الحكومة الأمريكية لتأميم مجموعة كبيرة من البنوك الأمريكية المهددة لواجهت المصير نفسه.

 

  • الحديث رسميا عن الأزمة المالية لسنة 2008

بعد اندلاع الأزمة المالية لسنة 2008 في منتصف سبتمبر بشكل رسمي وعلني أضحت الأزمة حديث العالم وسيطرت على اهتمامات وسائل الإعلام والصحف وحتى على نقاشات قادة الدول في المحافل الإقتصادية وخطابات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أكبر المتضررين منها قبل أن تصل إلى بقية الأسواق العالمية ومنها أسواق الخليج منتصف 2009 وقد أحدث هذا تغييرا في سياسة منح القروض وقطاع العقارات الذي كان يتجه في الخليج ليصل إلى ما وصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية من منح المنازل دون ضمانات قوية على دفع ثمنها ما دامت البنوك والمستثمرين سيربحون من خلال اعادة بيع المنازل التي يزداد الطلب عليها بهذه السياسة وبالتالي يزداد ثمنها.

وقد تضرر قطاع العقارات وفي هذا الصدد نجد أيضا أن سلسلة من الشركات المتخصصة بهذا المجال هي الأخرى عانت من الأزمة ومن تراجع أسعار المنازل حيث أثر كثيرا على عائداتها فأقدمت على تسريح الموظفين ومراجعة حساباتها.

 

نهاية المقال:

بدون أزمة الرهن العقاري 2007 ما كنا لنرى حقيقة الأزمة المالية لسنة 2008 وبين الأولى والثانية عاش العالم على ايقاع جنوني للأحداث المأساوية التي خلفت الكثير من العاطلين والكثير من المؤسسات المنهارة وتلك التي تعاني إلى الآن مما حدث، ولتبدأ قصة جديدة تباطؤ الإقتصاد العالمي وانتشار الأزمة المالية لتسارع كل من الصين واليابان وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى ضخ السيولة في اقتصاداتها ما نجح في تخفيف الجرح وفشل في القضاء على الأزمة.

اشترك في قناة مجلة أمناي على تيليجرام بالضغط هنا.

تابعنا على جوجل نيوز 

التعليقات مغلقة.