في عام 1997، عاشت دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والفلبين نمواً اقتصادياً بمعدل سريع ينذر بأننا أمام فقاعة وأن هذه الدول التي تحسدها نظيراتها النامية في مختلف أنحاء العالم على أعتاب حدث خطير للغاية.
لاحظ معهد هونغ كونغ للاقتصاد واستراتيجية الأعمال، ارتفاع دخل الفرد الحقيقي تقريبًا من 4٪ إلى 6٪ سنويًا، مما أدى إلى حدوث تحول كبير في متوسط العمر المتوقع ومستوى التعليم ومستوى معيشة الأفراد.
وصلت هذه المعجزة الآسيوية إلى نهايتها المفاجئة في صيف 1997 عندما انفجرت أسواق الأسهم وأسواق العملات المحلية في بلد واحد تلو الآخر، لتبدأ قصة الأزمة المالية الأسيوية 1997.
-
واقع الدول الأسيوية قبل الأزمة المالية الأسيوية 1997
بالنسبة لجنوب شرق آسيا، كانت الصادرات هي المحرك للنمو الاقتصادي في هذه الدول إلى جانب مزيج من الاقتصادات الموجهة للتصدير وقبول التجارة الدولية وفي بعض الحالات استثمارات داخلية ثقيلة من قبل الشركات الأجنبية التي تحول البلدان الآسيوية إلى قوة تصديرية.
تحولت طبيعة الصادرات من المنتجات الأساسية مثل المنسوجات إلى منتجات التكنولوجيا المتقدمة المعقدة مثل السيارات وشبه الموصلات والالكترونيات الاستهلاكية.
خلال الفترة 1990-1996 على سبيل المثال، نمت قيمة الصادرات من ماليزيا بنسبة 18٪ سنويا، ومن تايلاند بنسبة 16٪ سنويا ومن سنغافورة بنسبة 15٪ سنويا.
-
تشكل الفقاعة الأزمة المالية الأسيوية 1997
ساعدت الثروة الناتجة في تأجيج طفرة الاستثمار في البنية التحتية، العقارات السكنية والتجارية، وكذلك الأصول الصناعية.
كانت الحكومة عاملاً إضافياً وراء طفرة الإستثمار في معظم اقتصادات جنوب شرق آسيا، فعلى سبيل المثال شرعت الحكومة في تنفيذ مشاريع ضخمة للبنية التحتية في ماليزيا، وتم إنشاء مركز إداري حكومي بقيمة 20 مليار دولار، كما شجعت الحكومة الشركات الخاصة على الاستثمار في بعض قطاعات الاقتصاد وفقًا للأهداف الوطنية واستراتيجيات التصنيع.
ومع تضخم حجم الاستثمارات خلال التسعينيات، انخفضت جودة العديد من هذه الاستثمارات بشكل كبير حيث تم إجراء الاستثمارات على أساس ظروف الطلب غير الواقعية في المستقبل والتي أدت إلى ظهور طاقة فائضة كبيرة.
ومن الأمثلة على ذلك مصانع أشباه الموصلات من قبل Korean Chaebol التي ارتفعت في عامي 1994 و 1995 عندما أدى النقص العالمي المؤقت لرقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية (DRAM) إلى رفع سعر هذا المنتج.
ومع ذلك بحلول عام 1996 بدأ الكوريون في بناء مصانع DRAM جديدة أدت إلى توفر فائض منه، وكانت النتائج: انخفضت أسعار DRAM وتراجعت أرباح المصانع الكورية DRAM بشكل كبير بنسبة 90٪ مما أدى إلى صعوبة بالغة بالنسبة لهم لتسديد مدفوعات مجدولة للديون التي اتخذوها لبناء القدرة الزائدة على الإنتاج في المقام الأول.
كانت الاستثمارات في البنية التحتية والعقارات التجارية والمدفوعات الصناعية تجذب الواردات الأجنبية بمعدلات غير مسبوقة.
بما يعكس الزيادة في الواردات، شهدت العديد من دول جنوب شرق آسيا أن الحساب الجاري لميزان المدفوعات لديها يعاني من عجز، على سبيل المثال كان عجز إندونيسيا يساوي 3.5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، وكانت تايلاند 8.1٪ وماليزيا 5.9٪.
كان هناك الكثير من الإقتراض لتمويل هذه الاستثمارات بالدولار الأمريكي بدلاً من العملات المحلية لأن أسعار الفائدة على القروض بالدولار كانت أقل عمومًا من معدلات القروض بالعملة المحلية، وقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الاقتراض والتي بدورها مهدت الطريق أمام الشركات للتخلف عن سداد ديونها.
من أجل بناء المصانع والمباني المكتبية والبنية التحتية، كانت دول جنوب شرق أوروبا تشتري المواد والمعدات الرأسمالية من أمريكا واليابان وأوروبا.
أدى ذلك في الواقع إلى فقاعة ديون كبيرة وقفت وراء هذه الطفرات الاقتصادية التي أعجب بها العالم الغربي وبقية الدول الأخرى.
-
أسباب الأزمة المالية الأسيوية 1997
يمكن الإشارة إلى أن الإفراط في الاستثمار في أنشطة مشبوهة ناتجة عن الخطر الأخلاقي المتمثل في الضمانات الضمنية والفساد وعمليات الإنقاذ المتوقعة هي واحدة من أهم الأسباب وراء مغادرة كميات ضخمة من رأس المال إلى آسيا فجأة.
باختصار اعتقد الدائنون أنهم سيتم إنقاذهم في حالة حدوث أزمة، شعروا بالثقة في أنهم سيتم سدادها لإقراض الشركات ذات العلاقات الوثيقة مع الحكومة، خاصةً للمشاريع ذات الضمانات العامة.
قبل الأزمة كانت البنوك الدولية قد ضخت أموالاً ضخمة للمؤسسات المالية المحلية الآسيوية دون اعتبار لمعايير ائتمانية معقولة.
قد يكون سبب ممارسة الإفراط في الإقراض هذا هو الافتراض بأن الالتزامات الائتمانية قصيرة الأجل ستكون مضمونة ضمنيًا بواسطة برامج التدخل الحكومي أو صندوق النقد الدولي.
ارتفعت نسب الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 100٪ إلى 167٪ في الاقتصادات الأربعة الكبرى لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) في الفترة 1993-1996، ثم ارتفعت بنسبة تتجاوز 180٪ خلال الأزمة.
-
تخفيض قيمة العملات الأسيوية وتعويمها
بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة في هذا الوقت لمواجهة التضخم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض صادرات الدول التي لها عملات مربوطة بالدولار واستثمارات أجنبية أقل.
وكانت هناك منافسة قوية بين هذه الدول مع الصين واليابان لهذا من المهم بالنسبة لها أن تكون عملاتها أقل قيمة من أجل اغراق الأسواق التي تصدر إليها.
خفضت الصين اليوان وهي التي تتحكم بعملتها، وكرد على ذلك قامت تايلاند بتعويم عملتها في 2 يوليوز، أدى إلى انخفاضه مبدئيا بنسبة 10 في المائة ثم واصل التراجع نتيجة المضاربة في السوق ولوجود أيضا مشاكل هيكلية مثل الفساد المالي، وكانت الصدمة الكبرى عندما أعلن البنك المركزي التايلاندي أن احتياطاته أقل مما كان معلنا مسبقا فيما جاء التعويم سريعا وغير معد له بشكل جيد.
الفلبين من جهتها حاولت الدفاع عن موقفها بتخفيض عملتها لهذا قامت بفك الربط مع الدولار ليتراجع قيمتها بشكل متسارع ابتداء من 11 يوليوز من نفس العام.
ولجأت إندونيسيا إلى نفس السياسة حي استخدمت هي الأخرى سعر الفائدة للدفاع عن عملتها ومن ثم اضطرت إلى التعويم السريع لعملتها وهو ما أدى إلى تآكل سريع لقوتها الشرائية وقيمتها أمام العملات الأخرى.
-
نتائج الأزمة المالية الأسيوية 1997
فقدت مختلف الدول المتضررة ما يزيد عن 70٪ من قيمة أسواقها المالية، وانخفضت قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي واضطر زعماء هذه الدول الذين كانوا يفخرون ذات يوم إلى التسول للحصول على مساعدة مالية ضخمة من صندوق النقد الدولي.
تراجعت عملات الدول الأخرى بما فيها اليابان وكوريا الجنوبية وتعرضت العديد من الشركات للإفلاس واتضح أن هناك الكثير من الإستثمارات الوهمية والفساد في هذه الدول، لهذا أقالت مسؤولين وحاكمت آخرين.
-
كيف أنقذ صندوق البنك الدولي تلك الدول من الأزمة المالية الأسيوية 1997
في نهاية المطاف قدم صندوق النقد الدولي القروض اللازمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصادات الآسيوية المضطربة وحل الأزمات. قدمت المنظمة أكثر من 110 مليارات دولار في شكل قروض قصيرة الأجل إلى تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية للمساعدة في تحقيق الاستقرار في اقتصادها في مقابل طلب صندوق النقد الدولي من الدول المعنية التقيد بشروط صارمة، بما في ذلك زيادة الضرائب، وانخفاض الإنفاق العام والتقشف، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة جنبا إلى جنب مع الرفع من معدل الفائدة.
ومع بداية الألفية الجديدة ومنذ أبريل من عام 1999 بدأ التعافي يشق طريقه إلى هذه الدول التي أصبح لها أنظمة مالية تتمتع بشفافية أكبر وعملات غير مرتبطة بالدولار تم تعويمها مع قطاع خاص أقوى وتراجع القطاع العام.
نهاية المقال:
إنها واحدة من الأزمات المالية المعقدة التي دمرت 70٪ من النظام المالي في مجموعة من الدول المتنافسة وكانت تحركات سعر الفائدة الأمريكية بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس المليء بالديون والاستثمارات الوهمية وفساد القطاع العام .. لتأتي الأزمة مع التقشف والخصخصة وتثبيت التعويم.