منذ بداية رمضان، اكتسح برنامج قطايف سامح حسين الرمضاني وسائل التواصل الاجتماعي، ليصبح فجأة “النبي الأخلاقي” الذي طالما انتظره المصريون.
التعليقات المليئة بالتقديس والتبجيل اجتاحت فيسبوك واكس (تويتر سابقا)، حيث أكد المعلقون أن سامح حسين “يعيد بناء الأخلاق”، وكأن ثلاثين حلقة من برنامجه يمكنها إنقاذ مجتمع ينهش فيه الفساد من كل جانب.
المفارقة العجيبة في مصر أن المجتمع يبدو متدينًا إلى أقصى الحدود، المسلم يحرص على الصيام والصلاة، والمسيحي يذهب إلى الكنيسة، ولكن في المعاملات اليومية تجد العكس تمامًا: الرشوة، الكذب، الغش، الشجع، والخيانة أصبحت قيماً سائدة.
الفقر المتزايد جعل النفوس تبحث عن أي طريقة للربح السريع، حتى لو كانت غير مشروعة، تجد الجيران والأصدقاء يتصارعون، والأسر تخوض حربًا طاحنة ضد بعضها البعض، كل ذلك في مجتمع يُقسم أفراده أنهم “أخلاقيون بالفطرة”!
لماذا نجح سامح حسين فجأة في تقديم نفسه كالمُخلّص الأخلاقي؟ الجواب بسيط: لأن المصريين بحاجة دائمة إلى “مُصلح خارجي” يلقي عليهم محاضرات عن الأخلاق، ليشعروا أنهم تغيروا دون أن يبذلوا أي مجهود فعلي.
مثلما يلجؤون إلى الشيوخ والوعاظ، ها هم الآن يقدسون ممثلًا كوميديًا لمجرد أنه تحدث عن القيم بأسلوب بسيط وفي دقائق قليلة بمقاطع الفيديو.
لكن سامح حسين ليس أول شخص يقدم محتوى دينيا يحض على الاخلاق وتنتشر مقاطعه في المجتمع المصري ويحقق الملايين من المشاهدات لكن بدون أثر حقيقي في المعاملات.
انتشرت الصحوة الإسلامية في مصر خلال أواخر القرن الماضي، وترجم إلى النقاب واعفاء اللحى لكن الأخلاق في التعامل بين الجنسين نفسها تدهورت للغاية.
ازداد التحرش مع ازدياد التدين الظاهري، هناك شتائم وألفاظ مليئة بالتحرش بين الجنسين وحتى بين الرجل وصديقه والتي تشير إلى المثلية الجنسية التي يشيطنها هذا المجتمع.
كانت مصر تنتج فنا ليبراليا جميلا متحررا لكن في المعاملة بين الرجل والمرأة هناك احترام، اليوم رغم الحجاب والقيود ما أكثر ألفاظ التحرش والتصرفات غير الأخلاقية.
هذا المجتمع الذي يشاهد مسلسلات البلطجة وما أكثرها هذه الأيام فهي المفضلة في المناطق الشعبية وعند الطبقات المتدنية من المجتمع والتي ينتشر فيها تجارة المخدرات والتناقضات مع أنها أكثر الطبقات تدينا.
هذه المسلسلات حققت نجاحا هائلا في رمضان الحالي وهو امتداد لقصة تنجح في كل رمضان رائدها هو محمد رمضان الذي اختار في رمضان الحالي تحسين سمعته من خلال منحه الأموال للفقراء فقد شارك في إعلانات لشركة كوكاكولا التي تعرضت للمقاطعة الشعبية بسبب حرب غزة.
يبدو أن المصري يريد الأخلاق بنفس طريقة شراء الساندويتش: سريع، لذيذ، ولا يتطلب عناء الطهي، يعتقد أن مشاهدة حلقة من برنامج رمضاني تكفيه ليصبح إنسانًا صالحًا، مثلما يظن أن عمرة واحدة تمحو له كل ذنوبه السابقة، هذه الثقافة تجعل البرامج الأخلاقية تحظى بشعبية جارفة، لكنها لا تترك أي أثر حقيقي في الواقع.
تدهورت أخلاق المصريين منذ بداية الصحوة الإسلامية حيث يتوقعون أن أهم شيء هو رضا الإله المزعوم، وهو سيغفر الذنوب والأخطاء لذا هذا منحهم الشجاعة لارتكاب الخطايا والزلات في حق بعضهم البعض وفي حق الغريب مراهنين على المغفرة.
وكما جرت العادة، سيظل سامح حسين المصلح الأخلاقي حتى تنتهي موجة التقديس، ثم يبدأ البعض في الهجوم عليه، يتهمونه بالنفاق، أو يكتشفون فجأة أنه مجرد ممثل يؤدي دوره، المصري يحب أن يرفع الأشخاص إلى مرتبة القديسين، لكنه أيضًا يعشق تحطيمهم لاحقًا.