مثل بقية الشرق الأوسط تعاني إسرائيل وفلسطين على حد سواء من ندرة المياه، لهذا هناك دائما حديث على أن مياه النيل قد تكون هي الحل، بل ويتحول النهر إلى صانع السلام الحقيقي في المنطقة.
لقد أدرك الرئيس المصري الراحل أنور السادات والقادة الإسرائيليين أن نهر النيل يمكن أن يشكل قاطرة السلام لشعوب المنطقة ولإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
بينما يفتخر كثيرون بأنه تم اغتيال السادات الذي كان يعمل على مشروع توصيل مياه النيل لإسرائيل وتم احباط المشروع، يمكنني أن أنظر إلى المشروع من وجهة نظر إيجابية:
الحروب على المياه في الشرق الأوسط:
خاضت إسرائيل عدة حروب من أجل المياه، لعل في مقدمتها احتلال ضفاف بحيرة طبرية ومنابع نهر الأردن عام 1948، والعدوان الثلاثي على مصر من أجل قناة السويس عام 1956، وأيضا معركة السيطرة على منابع ومياه حوض نهر الأردن عام 1967، وحاولت الوصول نهر الليطاني في لبنان عامي 1982 و 2006.
ويعاني الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء من مشكلة المياه، ومن المعلوم أن هذه المنطقة تاريخيا تعرضت لموجات عطش ومجاعة انتقل بسببها الأنبياء اليهود إلى مصر، أو شكلت تلك الفترات مرحلة صعبة من حياتهم.
وفي الوقت الراهن لا تزال المشكلة قائمة وهي تشمل سوريا والعراق مع تعمد تركيا إلى بناء السدود على نهري دجلة والفرات.
ومن الممكن أن تعاني المنطقة من حروب بسبب المياه، ومن المعلوم أن قضية سد النهضة هي الأبرز في الوقت الراهن، وهي مشكلة لم تكن لتحصل على ما يبدو لو تم توصيل مياه النيل لإسرائيل.
نظرية توصيل مياه النيل لإسرائيل:
خلال مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل اقترح المسؤولين الإسرائليين المشاركة في مشروعات تطوير مياه النيل، بحيث يتم نقل مليار متر مكعب لري صحراء النقب منها 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة.
لاحقا اقترح السادات مبادرة قناة السلام، حيث سيتم نقل مياه النيل إلى صحراء النقب عبر قناة السلام ووعد حينها أن تصل القناة إلى القدس.
لكن بسبب الإحتجاجات الداخلية في مصر تراجعت القيادة المصرية عن الفكرة، وقيل انها مبادرة لإظهار حسن النية من الجانب المصري.
وفيما يتم هدر سنويا 17 مليار مكعب من مياه النيل في البحر الأبيض المتوسط، اقترح السادات توجيه جزء منها إلى إسرائيل على أن تصل إلى غزة والقدس والضفة الغربية.
وحتى في حال انشاء سد كبير بالقرب من مصب النيل في البحر فسيستمر الهدر بصورة مهمة ويمكن لمصر أن تستغل هذا لصناعة سلام قوي وأيضا لمصلحتها.
مياه النيل ورقة ضغط على إسرائيل:
بينما يعتقد معظم المصريين أنه لو تم تنفيذ المشروع سيكون هذا عارا عليهم، إلا أن في حسابات السياسة والمصالح لا يوجد عار ولا شرف، هناك ربح وخسارة وأوراق ضغط، بل سيكون توصيل مياه النيل لإسرائيل ورقة ضغط من القاهرة على تل أبيب.
على الأقل ستصبح القاهرة ذات قدرة أكبر في التوسط بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وفرض الرؤية التي تبنتها الدول الإسلامية وهي حل الدولتين على أن تكون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين والقدس الغربية عاصمة للإسرائيليين.
في هذه الحالة الكثير من الأمور ستتغير ومنها تجنب الوضع الحالي لفلسطين، وهو الإنقسام الداخلي واعتراف دول عديدة حول العالم بأن القدس عاصمة إسرائيل.
ستكون مياه النيل نعمة كبرى للبلدين وورقة ضغط مصرية على الطرفين، وهو ما سيجعل أي حل سياسي للقضية يعتمد على رأي القاهرة.
لن تهدد اثيوبيا دول المصب:
دائما ما نسمع أن إسرائيل تدعم اثيوبيا وتريد الضغط على مصر، إذا افترضنا أن هذا صحيح فعلا، فهذا يثبت صحة نظرية الرئيس الراحل أنور السادات.
في حال توصيل المياه لإسرائيل لن تتجرأ اثيوبيا أو أي دولة أخرى على تهديد مصالح مصر، وفي حال كانت ترغب أديس أبابا العمل على مشروع السد ستقوم بذلك بالتنسيق مع السودان ومصر وإسرائيل وفلسطين.
تعد إسرائيل بالفعل شريك وحليف مهم لأديس أبابا، وتقول الأخيرة أنها تحتاج إلى السدود لتحقيق التنمية وإنتاج الطاقة الكهربائية، لو تم مشروع ضخ جزء من مياه النيل التي تصب في البحر لإسرائيل لاختلف الوضع ولربما اشتغلت هذه الدول على مشاريع الطاقة النظيفة وإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية ومنحها بسعر رخيص لإثيوبيا ولتغير وضع شرق أفريقيا المهددة بالمجاعات والحروب.
هل كان محمد أنور السادات محقا؟
إذا نظرنا إلى مشروع توصيل مياه النيل لإسرائيل الذي تبناه السادات من زاوية الشعارات لاعتبرناه كارثة وخيانة، لكن من وجهة زاوية السياسة والإقتصاد يبدو محمد أنور السادات رجلا ذكيا وكان ينظر إلى أبعد مما يراه أصحاب الشعارات الفارغة.
إقرأ أيضا:
لماذا ندعم مصر والسودان في معركة النيل ضد سد النهضة؟
تأثير سد النهضة على الزراعة في مصر
ضرب سد النهضة: مصالح الإمارات والصين في خطر
سد النهضة اقتصاديا وسياسيا: مصر اثيوبيا الصين أمريكا السودان
هل تحلية مياه البحر في مصر بديل لنهر النيل؟