
في أقل من عقدين من الزمن تمكنت الإنترنت من تغيير العالم كله بما فيها حياتنا، حيث غيرت الكثير من الامور بصورة كبيرة، وغيرت قواعد النشر ومشاركة الأفكار والتعبير عن الرأي والاحتجاج ضد القرارات الظالمة وظهرت بفضلها التجارة الإلكترونية.
لكن خلف المظاهر الجميلة لثورة الإنترنت والرقمنة والتطورات الناتجة عن دخولها إلى كافة مجالات الحياة، هناك أزمة الإنترنت أو فقاعة الدوت كوم 1995 – 2000 والتي شكلت محطة مهمة في تاريخها.
بالعودة إلى بدايات التسعينيات من القرن الماضي، شهدت الولايات المتحدة تهافتا على إنشاء الشركات الناجحة في مجال الإنترنت، هذه الشركات تقدم خدماتها على الإنترنت، حيث لا تملك فروعا على أرض الواقع بل إنها تعول على التجارة الإلكترونية المتنامية حينها.
من أشهر الشركات التي ظهرت خلال تلك السنوات نجد كل من أمازون و إيباي وحتى جوجل، والمئات من الشركات الأخرى.
ومن الطبيعي أن يكون هناك اقبال على إنشاء الشركات في هذا المجال وانتشار هذه الظاهرة، حيث انتشرت ثقافة ريادة الأعمال وإنشاء الشركات بين شباب الجامعات حينها، وهناك قصص لشباب أصبحوا أثرياء بهذه الطريقة.
-
بدايات فقاعة الدوت كوم
خلال أواخر القرن العشرين، خلقت الإنترنت موقفا مبتهجا تجاه الأعمال التجارية وألهمت الكثير من الآمال لمستقبل التجارة عبر الإنترنت. ولهذا السبب تم إطلاق العديد من شركات الإنترنت (المعروفة باسم “dot-coms”)، وافترض المستثمرون أن الشركات التي تعمل على الإنترنت ستساوي الملايين من الدولارات.
أصبح واحد من أهم مواضيع الساعة في الجامعات الأمريكية هو موضوع إنشاء شركة ناشئة قائمة على فرد واحد أو فريق صغير من الأصدقاء تقدم منتجا أو خدمة عبر الإنترنت، وتحصل على تمويل من المستثمرين بالدخول إلى البورصة وعالم الاكتتاب.
بناء على هذا لجأ الشباب إلى إنشاء هذه المؤسسات من غرف نومهم ومنازلهم ومن الجامعات دون أن يكون لها مقرات أو حتى أن يتم تسجيلها، وجودها محصور على الإنترنت من خلال مواقعها الإلكترونية.
ولتسريع النمو يحصل هؤلاء على قروض من البنوك لتمويل مشاريعهم، فيما نجح كثيرون في اقناع المستثمرين بالاستثمار في مشاريعهم.
على العموم، في منتصف وأواخر التسعينيات، كانت توقعات المجتمع لما يمكن أن تقدمه الإنترنت غير واقعية. من الحالمين الفرديين إلى الشركات الكبيرة، كان أصحاب المشاريع على الإنترنت يعشقون أن يصبحوا أصحاب الملايين (أو أصحاب المليارات من الدولارات). استلهم رواد الأعمال هؤلاء من شركات مثل أمازون و eBay و Kozmo. بالطبع، بالنسبة ففي مقابل كل شركة حققت نجاحا ولديها استراتيجية حكيمة فشلت المئات من الشركات الأخرى في تحقيق ذلك.
بدايات تشكل فقاعة الدوت كوم لم تسجل أي سقوط لهذه الشركات، بل شهد وادي السليكون على نمو متسارع لهذه المؤسسات وتدفق رؤوس الأموال إلى المنطقة من المستثمرين الحالمين والمتمرسين أيضا.
وفتحت بورصة ناسداك والبورصات الأمريكية أبوابها أمام هذه المؤسسات للحصول على استثمارات لمواصلة عملها.
تجاهل العديد من المستثمرين بحماقة القواعد الأساسية للاستثمار في سوق الأوراق المالية، مثل تحليل نسب السعر إلى الربحية، ودراسة اتجاهات السوق، ومراجعة خطط الأعمال. وبدلاً من ذلك أصبح المستثمرون وأصحاب المشاريع مشغولين بالأفكار الجديدة التي لم يثبت بعد أن لديها إمكانات في السوق.
حتى من كان يملك بضعة مئات إلى آلاف من الدولارات من الشباب وسمع بهذه الظاهرة لكنه لا يريد تأسيس شركة ناشئة لجأ إلى استثمار أمواله في تلك المؤسسات.
تدفق الأموال وشراء الأسهم رفع من سعرها بصورة كبيرة، لتصبح لدى الشركات قيمة سوقية كبيرة في فترة زمنية قصيرة.
-
أشهر الشركات في أزمة الإنترنت أو فقاعة الدوت كوم 1995 – 2000
واحدة من أشهر الشركات خلال هذه الحقبة من الزمن هي Pets.com المتخصص في بيع الحيوانات والذي يعاني من غياب النموذج الربحي له وسط رهانات كبيرة عليه، حيث كان القائمون على الموقع يرغبون فقط في أخد حصة سوقية جيدة من 24 مليار دولار ينفقها الأمريكيون على الحيوانات الأليفة، وقد وصلت القيمة السوقية للشركة إلى 300 مليون دولار أمريكي.
أمازون هي الأخرى ارتفعت قيمتها السوقية بشكل جنوني في تلك الفترة حيث وصل سعر سهمها إلى 100 دولار أمريكي، وهي التي تركز على بيع الكتب وأشرطة الأفلام عبر الإنترنت.
هناك أيضا شركة Webvan وهي شركة تجارة تجزئة تعمل على توصيل الطلبيات إلى العملاء، حيث تمكنت من جمع ما يقارب 375 مليون دولار على مستوى القيمة السوقية.
-
أسباب أزمة الإنترنت أو فقاعة الدوت كوم 1995 – 2000
الكثير من الشركات الناشئة التي ظهرت لم يكن لدى القائمين عليها خطة لاستخلاص الأرباح وتحقيقها، معظم الشركات كانت تخسر المال وما تحصل عليه من المستثمرين يذهب في التكاليف التشغيلية.
كان هناك حديث على أن الأرباح ستأتي مستقبلا وأنها مسألة وقت فقط، بينما الخسائر كانت هي التي تتزايد شهرا بعد آخر.
ركز العديد من المحللين على جوانب الأعمال الفردية التي لا علاقة لها بكيفية توليد الإيرادات أو تدفقها النقدي. على سبيل المثال، إحدى النظريات هي أن فقاعة الإنترنت انفجرت بسبب انشغالها بـ “نظرية الشبكة”، التي ذكرت أن قيمة الشبكة ازدادت بشكل كبير مع ازدياد سلسلة العقد (أجهزة الكمبيوتر التي تستضيف الشبكة). على الرغم من أن هذا المفهوم منطقي، إلا أنه أهمل أحد أهم جوانب تقييم الشبكة: قدرة الشركات على استخدام الشبكة لتوليد العائدات وتحقيق الأرباح للمستثمرين.
من جهة أخرى فإن الكثير من القائمين على هذه الشركات لا يملكون خبرة في المجال المال ولا إدارة المؤسسات، وبعضهم سقط في تبذير أموال المستثمرين بالإعلانات والحفلات والمؤتمرات التي لا تعود بأي نفع عليها.
في تلك الحقبة شهد التلفزيون إعلانات لتلك الشركات التي ركزت على التسويق والتوسع وتحقيق حصة سوقية جيدة دون التفكير في الأرباح، وكما نعلم فإن تلك الإعلانات تكلف الملايين من الدولارات.
-
وصول الفقاعة إلى ذروتها والانفجار
مع بداية الألفية الثانية، اكتشف المستثمرون أن رهاناتهم خاطئة وان هناك مبالغة كبيرة في أسعار الأسهم وأن الشركات العاملة في هذا المجال لا تربح.
ومع ظهور التقارير التي تحذر من هذه الفقاعة في الصحف الأمريكية والبريطانية، تسابق هؤلاء على بيع الأسهم عند الذروة لتحقيق أرباح جيدة والخروج من السوق وتبعه انهيار كبير لأسهم تلك الشركات.
فشلت تلك الشركات في البدء بحصد الأرباح بعد سنوات قليلة من انشائها وتزايد الخسائر دمر حماسية المستثمرين وبث في النفوس الرعب والخوف واللجوء إلى خيار الانسحاب.
ولأن تلك الشركات قائمة على الأموال التي يحصلون عليها من المستثمرين فقد انهارت وأعلنت الكثير منها الإفلاس.
-
خسائر كبيرة ورعب في أسواق المال
اندلعت الأزمة ووصلت الخسائر إلى 5 تريليونات دولار على الأقل، وتضررت مختلف الشركات بدون استثناءات خلال هذه الفترة العصيبة.
شركة Webvan و Pets.com وشركات كثيرة أعلنت افلاسها، أما بعضها فقد سعى للخروج من سوق الأسهم مع تراجع قيمتها السوقية بنسب وصلت إلى 80 في المئة.
تراجع سهم أمازون من 100 دولار أمريكي إلى 4 دولارات للسهم مع خسارة أغلب قيمتها السوقية خلال هذه الفترة.
شركات الإتصالات والتكنولوجيا العملاقة تضررت هي الأخرى مثل Cisco التي خسرت 86 في المئة من قيمتها رغم أنها من الشركات الناجحة، وشركة Qualcomm.
استمرت تأثيرات الأزمة على أسواق المال حتى 2002 و 2003 ليبدأ مؤشر ناسداك في التعافي، ويتجاوز العالم قصة المئات من الشركات الناشئة المفلسة، ولتبقى عدد من الشركات على قيد الحياة وإن تضررت كثيرا وهذا لأنها تملك خطة واستراتيجية منطقية لتحقيق الأرباح أبرزها أمازون.
نهاية المقال:
تناولنا هنا قصة أعظم أزمة في تاريخ الإنترنت والتي كادت أن تقتل أمازون وتقضي على هذه الصناعة بأكملها، هي ليست شريرة بل تمكنت من تطهير العالم من الشركات الناشئة القائمة على الوهم.