
عملية بحث واحدة حول أغسطس في منصة فيس بوك كافية لتعطيك الإنطباع السائد لدى الناس حول الشهر الثامن من السنة الميلادية، شهر سيء وغير مرغوب به ومنحوس يجب التخلص منه!
هذا ليس غريبا بالنسبة لي فخلال السنوات الأربعة الماضية التي استخدمت فيه فيس بوك قبل أن أحذف حسابي 21 ماي الماضي لاحظت المنشورات السلبية حول هذا الشهر المثير أكثر من غيره من الأشهر الأخرى التي يحصل الجدل حولها.
عودة إلى العام الماضي حيث أتذكر أن بعض أصدقائي وعدد من المتابعين تفاعلوا بقوة مع منشور نشره أحد “مشاهير فيس بوك” وكان يستعيذ فيها بالله من أغسطس، من حره وطول أيامه، من ذكرياته التاريخية المؤلمة، من سوء أحداثه وكونه شهر الحروب.
انتشار المنشور المذكور بقوة كشف عن جمهور واسع من الناس يكرهون هذا الشهر، ضمنهم فئة عريضة ممن يدعون أنهم “مثقفين”، وكأن أغسطس هو الذي ألقى بقنبلتين نوويتين على كل من هيروشيما ونجازاكي في السادس والتاسع منه عام 1945 أو أنه من يشعل الحروب التي عاشتها الإنسانية في أيامه الطويلة والساخنة أو هو من جلب الأزمة المالية لسنة 2008 المولودة في التاسع منه.
الحرارة المرتفعة في معظم دول العالم خلاله ليست ذنبه، هذا هو الجو الطبيعي خلال الصيف وهو مفيد للصحة، أما وصول الحرارة إلى أرقام قياسية ومخيفة فهذا دليل على أن الإحتباس الحراري يتقدم وهذا بسبب فساد الإنسان في البر والبحر وليس بسبب شهر أغسطس.
وبالنسبة للبورصات العالمية وخصوصا وول ستريت فإنه أسوأ شهر منذ 1987 لتقلباته العنيفة وتغير مسارات القصة فيه وقواعد اللعبة، ومرة أخرى أغسطس ليس مذنبا، المتهم من هذا هم من يقفون وراء صناعة الفقاعات المالية في البورصات، ينصحون المستثمرين بشراء أسهم شركات تتجه إلى الفشل فتصبح قيمة أسهمها غير واقعية ومبالغ فيها وكذلك مؤشرات البورصات العالمية.
عندما تبحث عن “أغسطس” في محرك بحث فيس بوك، ستجد الكثير من المنشورات معظمها سلبية عنه، أغلبها مغلوطة ولا أساس لها، حتى أن بعض الصفحات نشرت منشورا يدعي أن أغلب المختلين عقليا مواليد شهر أغسطس، وهو من المنشورات المغلوطة التي تروج لمعلومات غير صحيحة، ودليل آخر على أن فيس بوك مصدر التفاهة والكراهية والمغالطات والأخبار المزيفة.
تلك المنشورات تشعرك بأنه شهر شرير ومنحوس، مثل طائر البوم الذي ربطوه بالشؤم وهو أسمى من نحس البشرية وجرائمها أو طائر الغراب المكروه أيضا رغم أنه من علم الإنسان الدفن، دفن الميت والقتيل ودفن جرائمه وأفعاله الشنعاء.
سيرحل أغسطس المكروه الذي لا يترك الناس تعيش حياتها في هدوء وسلام، وسيحل سبتمبر المحبوب وتتوالى الأشهر الرائعة الأخرى، لكن للأسف ستستمر الحروب وتتوالى المآسي وتندلع الأزمات، ليس لأن الشهور سيئة ولكن بما اقترفته الأيادي النجسة للإنسانية، وسيبقى مشاهير فيس بوك والناشطون ينتقدون الأشهر والظروف الجوية والحكومات ويهاجمون “الآخر” بالنسبة لهم، ليستمر المسلسل السخيف على أكبر منصة للهراء في العالم ألا وهي فيس بوك.