
قبل عام استبشر أغلب الشعب المصري على وسائل التواصل الاجتماعي بالحرب الروسية رغم تحذيرنا من عواقبها على المنطقة، واليوم تعاني مصر بقوة، لدرجة أن سقوط السيسي وحدوث فوضى في مصر هي احتمالات واردة.
لماذا يجب أن نأخذ هذه الإحتمالات على محمل الجد؟ لأنه حدث هذا من قبل، بعد الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، والغلاء وارتفاع البطالة في المنطقة، لجأ الشعب المصري عام 2011 إلى الشارع وأسقط الرئيس السابق حسني مبارك.
اليوم يزداد الوضع سوءًا لدرجة أن بعض المشرعين المصريين يفكرون في خصخصة قناة السويس، وقد ناقش البرلمان المصري هذا في ديسمبر، لم يأتِ أي شيء جوهري منها لكن الأمر يُظهر مدى اليأس الذي وصل إليه الوضع في مصر.
من المؤكد أن الإصلاحات التي تحدث اليوم بقيادة صندوق النقد الدولي قاسية، لكنها ضرورية ونعتقد أنها تحول مصر إلى بلد ليبرالي باقتصاد السوق بعيدا عن سيطرة الجيش المصري والقطاع العام، ما سيشجع على انشاء الشركات والإستثمار الأجنبي وأيضا التصنيع المحلي والتصدير.
لكن هذه الإصلاحات جاءت متأخرة، وكان يجب أن تحدث قبل سنوات طويلة عوض الإصلاحات التي حصلت عام 2016 ومنها تعويم الجنيه بشكل جزئي.
يعتبر السيسي زعيما عربيا معتدلا، وهذا هو سبب قيام دول الخليج المعتدلة مثل السعودية والإمارات بتمويل حكومته، منذ تولي السيسي السلطة في 2013، استثمرت الرياض وأبوظبي مليارات الدولارات في مصر.
الآن يبدو أن هذا الدعم الأجنبي بدأ في النضوب، اعترف السيسي في نوفمبر أن “الإخوة والأصدقاء المصريين في الخليج قد طوروا قناعة راسخة بأن الدولة المصرية لن تكون قادرة على الوقوف على قدميها مرة أخرى، كما يعتقدون أن الدعم الذي قدموه لمصر على مدى سنوات عديدة قد خلق ثقافة التبعية”، بدون هؤلاء الداعمين الأثرياء ستقع مصر في مشاكل أعمق.
وقد لاحظنا أن عدد من الإعلاميين المقربين من الحكومة المصرية قد طالبوا دول الخليج بالوقوف مع مصر، بل رأينا مقالات تحذر من تداعيات عدم التدخل الخليجي في الأزمة على تلك الدول نفسها.
وفي منطقة شهدت اندحارا لداعش والجماعات السلفية المتطرفة وفشل الإخوان المسلمين، وتراجع تركيا وقطر عن دعمهم، ربما ترى السعودية والكويت تحديدا أن البعبع القديم قد تم التخلص منه، لذا لن يكون لديها مشكلة كبيرة إذا انتقلت مصر إلى الحكم المدني، وربما تفضل استمرار النظام العسكري لكن بقيادة أخرى أو اسم آخر غير السيسي لامتصاص الغضب الشعبي.
وتتهم المعارضة المصرية وكذلك حتى المقربين من دوائر الحكم في الخليج الحكومة المصرية بأنها بجنون على مشاريع الغرور، للهروب من ازدحام القاهرة تقوم مصر حاليًا ببناء عاصمة جديدة، بدأ البناء في هذه “العاصمة الإدارية الجديدة” في عام 2015، كلف بناؤها أكثر من 50 مليار دولار ولا تزال المشاريع فيها غير مكتملة.
بعض الإنجازات في العاصمة الجديدة تشمل “البرج الأيقوني” (أطول مبنى في أفريقيا)، أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، و “الأوكتاجون”، مقر دفاع مصر الجديد في مجمع مساحته 189000 متر مربع، ولا ننسى بناء “المتحف المصري الكبير” في الجيزة والذي سيكون أكبر متحف في العالم وقد كلف حتى الآن ما يقرب من مليار دولار.
مشاريع يقال بأنها ليست ذات فائدة سريعة ولن تعود على الدولة المصرية بعائدات قوية، وكان يجب توجيه تلك الأموال إلى انشاء المصانع وزيادة الإنتاج المحلي في الفلاحة والصناعة وحتى الخدمات.
على المرء فقط أن ينظر إلى الوراء 10 سنوات ليرى إلى أين يمكن أن تؤدي هذه المشاكل الاقتصادية والتي أسقطت أيضا حكومة الرئيس الراحل مرسي.
في عام 2011 أطاح الثوار المصريون بالرئيس حسني مبارك وحوّلوا مصر إلى دولة ديمقراطية، لكن بدلاً من أخذ مصر في اتجاه الليبرالية الغربية، صوتوا للإسلامي الراديكالي محمد مرسي، كان مرسي يحظى بشعبية لدى الشعب المصري لكنه سرعان ما كان يحول مصر إلى دولة دينية إسلامية فاشلة وتورط في صراعات إقليمية م الخليج ودعم بشكل لا لبس فيه المعارضة المسلحة السورية التي يقودها المتطرفون.
لم يؤثر انتزاع مرسي على السلطة في المؤسسة العسكرية المحافظة، وقاموا بانقلاب ضده عام 2013 واستبداله بالسيسي، لقد تمكنوا من الإفلات من هذا لأن الشعب المصري قد انقلب على مرسي، ليس لأنهم أصيبوا بخيبة أمل من تطرفه، ولكن لأن التغيير الاقتصادي الذي وعد به لم يأتِ أبدًا.
وعد السيسي بالتغيير هو الآخر، ولكن بدلاً من ذلك فإن مصر السيسي هي دولة فقيرة مثقلة بالديون حيث ينشغل الزعيم بشدة ببناء آثار فرعونية لنفسه.
كل ما على المرء أن يفعله هو أن ينظر إلى ملوك فرنسا وقياصرة روسيا ليرى إلى أين تؤدي هذه الأنواع من المواقف، ولهذا السبب نجد أيضا المثقفين في الخليج يدعون حكومات بلادهم إلى التوقف عن دعم مصر لأن مليارات الدولارات تذهب في مشاريع لا فائدة منها للشعب المصري وأيضا بعضها من الواضح أنها تذهب في الفساد والبنوك بالخارج.
في سلسلة من التغريدات التي نشرت مؤخرا على تويتر، لاحظنا أن عدد من السياسيين الخليجيين والنخبة المثقفة قد انتقدت القيادة الحالية لمصر، وكان واحد منهم هو الأكاديمي السعودي خالد الدخيل الذي كتب: “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ ١٩٥٢. انكسرت في يونيو ٦٧ وتبخر وهج ٢٣ يوليو كما عرفه المصريون والعرب. لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
ومن المعلوم أن المقربون من السلطات في هذه الدول يتم تحديد مجال معين من الحرية لهم من أجل التغريد في مسألة معينة، وان كان خالد الدخيل يعترف في احدى تغريداته أنه لا توجد ديمقراطية في العالم العربي، لذا يمكننا أن نقول بأنه جريء ويتحدث بصراحة أكبر.
قد تكون وجهة نظر الحكومات في دول الخليج خصوصا السعودية والكويت هي السماح بحدوث سقوط السيسي، على أن يقوم الجيش المصري بجلب بديل جديد، بديل يتبنى فعلا الإصلاحات الجريئة بقوة، ولعل في مقدمتها اخراج الجيش من الإقتصاد لأن هذا ليس مكانه ومكافحة الفساد المالي في البلاد.
إقرأ أيضا:
عن احتمال افلاس مصر وسقوط عبد الفتاح السيسي
مصير الإقتصاد المصري بعد ثورة جديدة لإسقاط السيسي أو غيره
ماذا يحدث عند افلاس الدولة ماذا يعني ذلك للبلد الفاشل؟
تركيا أردوغان تتخلى عن مشروع الإسلام السياسي الفاشل
سبب انقطاع الكهرباء في مصر بشكل متكرر يوميا
تراجع معدلات الإنجاب والزواج بسبب انهيار الجنيه المصري