
يتفق معظم المحللين العرب على أن روسيا دولة عظمى وغزوها لأوكرانيا هو بمثابة بداية لنظام دولي متعدد الأقطاب، تكون فيه موسكو قوة إلى جانب واشنطن وبكين.
ودائما ما يعتمد هؤلاء في قياس قوة روسيا على أسلحتها وترسانتها النووية، مؤكدين أن الإتحاد السوفياتي سيعود وأفكار اليسار وشعاراته الرنانة ستنتصر.
وتعد الحرب الأهلية في سوريا ومن ثم غزو روسيا لأوكرانيا اشارتين ايجابيتين للعرب الذين يفتقدون أيام عبد الناصر والمسدسات الورقية، حيث يعتقدون أنه مع عودة موسكو قوية سيتخلص العالم من هيمنة أمريكا.
وما زاد من أوهامهم، هو أن العديد من الدول الخليجية المتحالفة تاريخيا مع الولايات المتحدة، ترفض زيادة انتاج النفط ويتوافق موقفها حتى الآن مع موسكو، متجاهلين أن الرفض السعودي يأتي ضمن تصفية حسابات بين ولي العهد محمد بن سلمان مع الديمقراطيين الذين لا يريدونه على رأس القيادة السعودية، إضافة إلى تخوف السعودية من نتائج المفاوضات الأمريكية الإيرانية.
لا يدرك هؤلاء أنه، ما أن تتوصل الرياض وواشنطن إلى تفاهمات، أو يصل إلى الحكم مجددا دونالد ترامب، ستغير الرياض موقفها وستغرق العالم بالذهب الأسود كما فعلت من قبل مرات عديدة.
ومن أي دولة أخرى في عالم المصالح، تدافع الرياض عن مصلحتها ومن حقها ممارسة سيادتها على انتاج النفط، ومن حق الولايات المتحدة الأمريكية البحث عن اغراق السوق وضرب الأسعار.
إذن إذا كنت تعتقد أن السعودية متحالفة بقوة مع موسكو، فأنت مخطئ، كلا البلدين متنافسين في الحقيقة بأسواق النفط والغاز وتفاهم أوبك بلس هو لمصلحة المنتجين.
أما الحديث عن تشكل عالم متعدد الأقطاب فهو أمر صحيح، لكن تظل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها هي صاحبة حصة الأسد، وأعظم ميزة يبقى الدولار، ما أن يسقط ستسقط واشنطن ومعها روسيا والصين وأنا وأنت أيضا عزيزي القارئ، فقط أنظر إلى تأثير الفائدة الأمريكية على تحركات البنوك المركزية حول العالم.
عند الحديث في الإقتصاد، تبقى روسيا بلدا فقيرا، لا يجد المحللين العرب الكثير من المؤشرات الإيجابية التي يمكن من خلالها الدفاع عن قوة موسكو، بينما يتجاوز الناتج القومي لأمريكا أكثر من 23 تريليون دولار، وتتبعها الصين بحوالي 19 تريليون دولار، لا يتعدى الناتج الإجمالي لروسيا رقم 1.5 تريليون دولار.
دول مثل اليابان وألمانيا وفرنسا والهند وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل وكندا وكوريا الجنوبية، كلها أكبر من اقتصاد روسيا، الذي سيفقد هذا العام 25% من ناتجه القومي.
تشكل العقوبات الأمريكية والغربية ضربة قوية لروسيا، فيما غزوها لأوكرانيا حماقة لا يقل عن حماقة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان.
كان المتوقع حسب المحللين العرب، أن تتمكن موسكو من الإطاحة بأوكرانيا في غضون 72 ساعة كأقصى مدة زمنية، لكن الحرب المستمرة منذ أكثر من شهر أصبحت بدون نتائج جيدة وحاسمة لموسكو.
لقد اتضح أن بوتين لم يتوقع مقاومة عنيفة من أوكرانيا التي تحصل على امدادات عسكرية غير مسبوقة من الغرب، كما أن الجيش الروسي قد تكبد خسائر كبيرة جعلته يتجنب الدخول للمدن الكبرى حيث تنتظره حرب العصابات التي ستجعل الحرب طويلة ومدمرة للغزاة.
حاليا تلعب موسكو ورقة انتحارية، وهي محاولة اجبار أوروبا على الدفع بالروبل مقابل الغاز والنفط، ولأنها محطة وقود بالنسبة لأوروبا، فإن توجه الأخيرة بقيادة برلين إلى التخلي عن الغاز الروسي بحلول 2025، يعني أن روسيا ستصبح مشلولة مستقبلا وهي التي تعتمد على مبيعات الغاز والنفط والقمح، وليست دولة صناعية مثل الصين أو الولايات المتحدة.
إذا قررت روسيا إيقاف تدفق الغاز إلى أوروبا فكأنما قررت الإنتحار وضرب بقية مصداقيتها في السوق الدولية، ونعم ستسبب موسكو مشاكل كبيرة للإتحاد الأوروبي بينما ستتوقف عائداتها تماما، هذا في وقت تكافح فيه حاليا لبيع نفطها في الأسواق العالمية بسبب العقوبات الأمريكية والغربية.
لقد كان هؤلاء المحللين محقون قبل الحرب عندما حذروا من أن غزو أوكرانيا هو فخ لروسيا، نصبته واشنطن لإسقاط حليف خصمها المهم الصين، وبالفعل سقطت موسكو، وهي اليوم غارقة في وحل أوكرانيا وتبحث عن نتائج جيدة من التفاوض.
لن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا في أوكرانيا، لأن الأمر يتعلق بروسيا وهي دولة فقيرة متوسطة القوة، على العكس لو تحركت الصين ضد تايوان، فإن واشنطن ملتزمة بالدفاع عن حليفتها الأسيوية، وهو أمر تدركه الصين التي يتواجد حولها خصوما أكثر من حلفاء.
لقد تغير العالم كثيرا مقارنة بعصر الحرب الباردة، وعلى العرب التطلع للمستقبل وليس الماضي، عالمنا تحكمه المصالح وليس شعارات اليساريين أو الإسلاميين.
إقرأ أيضا:
خطة اجبار روسيا على اعادة اعمار أوكرانيا
ما وراء هزيمة روسيا في حرب الإعلام والمعلومات ضد أوكرانيا
مستقبل الطاقة النووية في أوروبا بعد غزو روسيا لأوكرانيا
روسيا رائدة في صناعة فيروسات الفدية
هزيمة روسيا في أوكرانيا أصبحت حقيقة