لا يحظى تعويم العملة أو سعر الصرف المرن بموافقة شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويبدي معظم الناس معارضتهم القوية لهذه الخطوة، هذه المعارضة التي تمنيت لو شهدها العالم قبل 20 سنة من ميلادي، عندما تم تعويم الدولار الأمريكي خلال أغسطس 1971 وتقبل العالم بالأمر الواقع.
شكل تعويم الدولار الأمريكي نهاية لنظام العملات المرتبة بالذهب، وتحولت العملة الخضراء إلى العملة الإحتياطية التي تتم بها أغلب المعاملات وتخزنها أيضا البنوك المركزية حول العالم، بل أكثر من ذلك نجد أن مختلف العملات حول العالم مرتبطة بها أو باليورو أو معا كما هو الحال مع الدرهم المغربي.
وعمدت الكثير من الدول على فك ربط عملاتها بالدولار وهي الخطوة التي يشجع عليها صندوق النقد الدولي، ورأينا ذلك مع عدد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية وحاليا هناك نشاط لهذه العملية في دول المنطقة، وتتصدر جمهورية مصر العربية هذا السباق.
الحقيقة هو أن الهروب من التعويم أو نظام سعر الصرف العائم غير ممكن، كل ما يمكن للعملات التي لا تزال مرتبطة بالدولار هو أن تبقى على هذا الحال لبعض الوقت وتصبح أقرب إلى التعويم كلما كانت المشاكل المادية في البلاد أكبر.
السلطات المالية غير قادرة على تحمل الصدمات دائما
في نظام سعر الصرف الثابت أو ربط سعر الصرف بعملة واحدة، تتحمل الدولة عادة الصدمات والضربات وتعمل وفق أنظمة اجتماعية على وقاية المواطن من الغلاء ومن الرأسمالية ومن لعبة العرض والطلب، فتجدها تعمل على تثبيت أسعار المحروقات والعمل بنظام الدعم للمحروقات والدقيق ومختلف المواد الأولية الأخرى وتتدخل السلطات أكثر في تسعير المنتجات بالسوق الوطنية.
نظام إلى حد ما اشتراكي حيث يخول للدولة التدخل كثيرا وتحمل فاتورة الخسائر وتضييع أموال دافعي الضرائب في أمور لن تعود عليهم بفائدة حقيقية، هذا النظام يؤدي إلى دولة غير مستقرة ماليا وغير موثوق بها وذات نظام مالي أقل حرية وشفافية، ونفس الأمر لعملتها.
من سلبيات هذا النظام أن احتياطي النقد الأجنبي يتضرر ويمكن في حالة طغيان الواردات على الصادرات أن تحدث مشاكل تهز قيمة العملة نفسها وتؤدي إلى أزمة اقتصادية خانقة وتزيد من الديون بشكل متسارعن وهذا ما حدث بالفعل مع جمهورية مصر العربية.
أي اصلاحات في هذا النظام ما هي إلا أساليب لتخدير الآلام وتأجيل مواجهة الأزمة التي تستمر بالتدريج في خنق البلد.
الحل هو تعويم العملة أو سعر الصرف المرن
تصل الدولة إلى مرحلة معينة حيث تلجأ إلى صندوق النقد الدولي الذي يتمتع بإمكانيات هائلة لمساعدة الدول من خلال اصدار القروض لها، هذه القروض يعمل على منحها للدول التي تحتاج إليها بشروط واضحة، وهي رفع الدعم على المحروقات والمواد الأولية وتعويم العملة الوطنية لرفع الضغط على احتياطي النقد الأجنبي والتشجيع على النظام المالي المنفتح، وكي تكون اللاد قادرة على تسديد ديونها.
الحل مؤلم بالطبع إذ يمكن أن يؤدي إلى خسارة العملة لنصف قيمتها أو أكثر، إضافة إلى تعريض المواطنين للصدمات والأزمات بشكل مباشر، في تلك المرحلة يبدأ المواطن في إدراك أنه طيلة السنوات الماضية، كانت السلطات في البلاد تحميه من الصدمات المالية وما يتعرض له من قبل مجرد بقايا لانفجارات هائلة تحيط باقتصاد البلاد.
مع مرور الوقت يتقبل المواطن هذه الحقيقة وهو ما رأيناه في مصر، على أمل أن يرتفع الوعي ويبدأ المواطن في الإنتاج سواء للسوق المحلية أو للتصدير بدعم من الحكومة التي يجب أن تستثمر في الصناعة والفلاحة وتحويل الإقتصاد إلى اقتصاد منتج ومصدر.
يفتح هذا الواقع الباب للأجانب وأصحاب رؤوس الأموال لشراء العقارات والإستثمار بها والإستثمار أيضا في الأسهم إضافة إلى تنامي السياحة.، أما الشركات والأفراد الذين يقدمون الخدمات في السوق الدولية أو عبر الإنترنت يجدون فرصا أكبر ويتمتعون بقدرة أفضل على المنافسة، وتصبح قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار وبقية العملات النقدية هي الحقيقة وتصبح السوق منسجمة أكثر مع الأسواق الدولية.
أصبح من الواضح أن هناك مصير مشترك يربط دول المنطقة أو حتى مختلف دول العالم، ونتحدث عن تعويم العملة أو سعر الصرف العائم، فك الإرتباط بالدولار أصبح ضروريا مع الإنفتاح الدولي وتغير مشهد النظام العالمي، وبالفعل لا يزال الدولار الأمريكي لأنه يتواجد في كل معاملة بين أي عملتين في العالم.
إقرأ أيضا:
تعويم العملة أو سعر الصرف المرن هو المصير المشترك
صدمة نيكسون ونهاية عصر العملات المقومة بالذهب وحلول زمن التعويم
كيف يمكن حماية المال عند انهيار العملة المحلية؟
خطة تجنب خسائر تعويم الجنيه المصري دون الإضرار بالشركات والموظفين
طريق الجنيه المصري إلى سعر الصرف الحر
5 مشاكل يجب على البنك المركزي المصري حلها قبل 2025
ايجابيات وسلبيات تحرير سعر الصرف
مفهوم التعويم وأنواعه وفوائده وأضرار سعر الصرف المرن